الأحد، 7 يوليو 2019

نظرة على مسلسل ديكستر (1)

في تدوينتي هذه أتحدث عن المسلسل الأمريكي "ديكستر" وأبرز ما أعجبني فيه، وكالعادة، فإن هذه التدوينة تحتوي على جُملٍ حارقةٍ لأحداث المسلسل، لذلك إن كنت تنوي مشاهدتهُ فإنّي أنصحك بالخروج والعودة إلى القراءة لاحقًا..

الشخصيّةُ الأساسية التي يتمحور حولها المسلسل هي "ديكستر"، وهو قاتلٌ متسلسلٌ يحبّ رُؤية الدّم وتَقطيع الأوصال، كما أنّهُ يعمل كمحللِّ لطخاتِ دم في قسم الجرائم لدى شُرطة ميامي جنبًا إلى جنب مع أخته "ديبرا".

يقتل ديكستر القتلة الذين تنطبق عليهم شروطٌ معيّنة درّسها له والدُه المُتوفّى، وتسير عمليات قتله بحرفيّة عالية ويحرص دائمًا على لفّ الجثة بالبلاستيك كي يضمن عدم ترك أي دليل، ومن ثمّ، يقوم بتقطيع أوصال الجثّة ووضعها بكيس قمامة، وأخيرًا رميها بعرض البحر.

يتألف المسلسل من ثمانية مواسم واثنتي عشرة حلقةً لكل موسم، كنت قد بدأت مُشاهدته في منتصف عام 2018، المسلسلُ رائع جدًّا وأصنفه -بالنسبة إلي- مباشرةً بعد Prison Break و Breaking pad، هناك عدد من الأمور التي أعجبتني جدًّا وبرهنت لدي مدى حنكة وعبقريّة الكاتب، وسأكتبها على عدّة تدوينات تكون هذه أوّلها.

ديكستر: القاتل المتسلسل

أحد أبرز الأسئلة الذي كان دائما ما يحوم في خاطري هو: لماذا ديكستر قاتلٌ متسلسل؟ كيف أصبح كذلك؟ والكاتب الرّائع أجاب ذلك على مدى عدّة حلقات وبيّن ذلك بالتفصيل.

كانت أم ديكستر -واسمها لارا موسر- تعمل مخبرةً سريّةً لأحد رجال الشرطة الذي أراد أن يوقع بتاجر مخدّرات عبرها، ولكن التاجر سرعان ما اكتشف ذلك فأرسل مجموعة من الرّجال الذين قاموا بنشر جسدها بالمنشار أمام طفليها ديكستر وبرايان. لقد شكّلت هذه اللحظة منعطفًا كبيرًا في حياة هذين الطفلين -ديكستر وبرايان- اللذين كان عمرهما بضعة سنوات حينها، فتحوّل الطفلان فيما بعد إلى قاتلين متسلسلين بالمنشار والسكّين.

تبنّى الشرطيّ المذكور بالأعلى واسمه -هاري مورغان- الطفل ديكستر ليصبح اسمه فيما بعد -ديكستر مورغان- وأخته بالتبنّي هي -ديبرا مورغان-. اكتشف هاري فيما بعد أن الطفل الذي تبنّاه ليس طفلًا طبيعيًا، فقد كان ديكستر يحب منظر الدّماء بشدّة وقام وهو صغير بقتل كلب أحد جيرانهم بسبب صوت نباحه العالي، وأدرك هاري أن تلك الرغبة متأصلة في ديكستر وأنه مهما فعل لن يستطيع تغييرها، ليقرر في النهاية توجيهها بدلًا من كبتها، فعلّم ابنه المُتبنّى بعض الشروط "كود" تنطبق على الأشخاص الذين يستحقون القتل، وعلّمه أيضًا كيف يخفي كلّ الدّلائل من مسرح الجريمة.

وبيت القصيد هُنا هو أن لحظةً واحدةً -وهي لحظة النّشر- كانت كافيةً لتحوّل طفلين بريئين إلى قاتلين متسلسلين، أراد الكاتب الرّائع أن يرسل رسالةً للمشاهدين بمدى أهمية المرحلة الأولى من عمر الطفل، ففيها تتشكّل وتتبلور شخصيّته بنسبةٍ كبيرةٍ جدًّا..

الجزء الأول من المسلسلِ كان رائعًا بحقّ، ففيه تلاحق شرطة ميامي بمن فيهم ديكستر وأخته ديبرا قاتلًا متسلسلًا يقوم بتقطيع الجثث والأوصال وتبريدها ويطلقون عليه لاحقًا اسم "قاتل شاحنة الثّلج"، لتبيّن في النهاية أنه أخ ديكستر الشقيق "برايان" الذي لم يتبنّاه أحد.
على اليمين برايان، وعلى اليسار ديكستر -بالنسبة للقارئ-

ديبرا مورغان

ديبرا بنظري من أروع شخصيّات المسلسل، عفويةٌ وصريحة، وبارعةٌ في عملها، الأمر الذي جعلها تصعد سلّم الترقيات بشكل سريع جدًّا في قسم شرطة ميامي الذي تعمل به جنبًا إلى جنبٍ مع أخيها المُتبنّى، ولكنّها -وبالرغمّ من شخصيّتها القوية جدًّا- ارتكبت في النهاية فعلًا غبيًا وأحمقًا أدى إلى فقدانها لكيانها وشخصيّتها، واستحقت بسببه الموت..

كنت أنوي التوقّف عن متابعة هذا المسلسل مع نهاية الموسم السادس لأني بدأت فعلًا أشعر بالملل، وظّل المسلسل على نفس السيناريو: ديكستر، قاتل متسلسل يقتل، وأخته لا تعلم بذلك. إلا أن نهاية الموسم كانت مشوّقة جدًا، وجذبتني بشدّة إلى متابعة الموسم السابع فقررت الاستمرار..

في الحلقة الأخيرة من الموسم السادس، يمسك ديكستر بقاتل متسلسلٍ طارده طيلة حلقات الموسم، وبعد أن يلفّه بالبلاستيك ويقتله، يكتشف ديكستر أن أخته ديبرا قد لحقت به سِرًّا وشاهدته وهو يطعن بالقاتل، وبذلك، تكتشف ديبرا أن أخاها قاتلٌ متسلسلٌ..


كانت لحظةً مميّزةً جدًاً في المسلسل، فأخيرًا اكتشفت ديبرا سرّ أخيها، وأصبح المسلسل مشوّقًا أكثر..

ماذا فعلت ديبرا فيما بعد؟
كنت قد قرأت قبل فترةٍ مقالًا طويلًا خلاصته كالتالي: إذا أردت أن تعرف وتقيس مدى ارتباط شخصٍ ما بمبادئه وقناعاته فعليك إما أن تعرضّه إلى خطر الموت، أو أن تعرّضه إلى الحبّ.. لقد أفلح العرب جدًا بوصفهم للحب أنه "أعمى" فهو يُسيّر الواقعين فيه بلا أيّ نور كالمتخبّط، وهذا بالفعل ما حصل مع ديبرا..

اكتشفت ديبرا بعد كل علاقاتها الفاشلة أنّها واقعةً في حبّ أخيها المُتبنّى ديكستر، وقد دفعها حبّها له إلى التكتّم على أمره خوفًا من أن يصيبه أيّ مكروه، الأمر الذي جعلها تتصرّف بشكل مغايرٍ لقناعتها ومبادئها، فهي ضابطة شرطةٍ بارعةٌ جدًا في عملها، لم يسبق لها أن تغاضت عن أي فعل إجراميّ..

يُقال: إذا وقعت في حبّ الشخص الخطأ، فإن حياتك ستصبح مليئةً بالمشاكل والهموم والمصائب، وهو بالفعل ما حصل مع ديبرا، لقد تحوّلت حياتها إلى جحيم، وأصبحت مجبرةً على الظهور بوجهين، وجهٍ تكون فيه شرطية بارعةً تؤدي عملها بإتقان ولا تتهاون مع أي فعل إجرامي، وفي نفس الوقت، وجهٌ تكون فيه بصبحة أخيها القاتل المتسلسل الذي يقتلُ ويذبح بشكلٍ مخالفٍ جدًّا للقانون.. بسبب ذلك، تُصاب ديبرا بنوبات من الاكتئاب والقلق، وتصبح مدمنة على الأدوية المضادة لهما، وتبدأ تدريجيًّا بفقدان شغفها لعملها وكيانها وشخصيّتها.. ما أسوء أن يُجبر المرءُ صاحب الضّمير على أن يتصرف بطريقة مغايرة لقناعاته التي أمضى عمره دفاعًا عنها!

بالتأكيد، كلنا نرتكب الأخطاء والحماقات في حياتنا، ولكن المصيبةَ تأتي عندما نستمرُّ في ارتكابها، وهو بالفعل أيضًأ ما حصل مع ديبرا، فبعد أن اكتشفت محققة تدعى ماريا لاغويرتا -وهي محققة تعمل في قسم شرطة ميامي أيضًا- بعد سلسلة من التحريّات أمر ديكستر، يقرّر قتلها، فتتبعه ديبرا مرًة أخرى وتقوم هي بذلك..


لقد كانت هذه الفعلة بمثابة الضّربة القاضية التي دمّرت ديبرا تدميرًا شاملًا، فبعد ذلك، قرّرت الاستقالة من قسم الشّرطة، وفقد شخصيّتها بالكامل.

كما تدين تُدان:
كنت أتمنى أن أرى ديبرا تموت بنفس الطرّيقة التي قتلت بها تلك المحققة البريئة، وقد حقّقَ الكاتب الرّائع أمنيتي في الموسم الأخير، حيث يطلق مجرمٌ النّار على ديبرا لتتدهور صحّتها فيما بعد بشكل كبير وتموت بعد أن ينزع ديكستر الأجهزة عنها، ويلقي بها في النهاية إلى عرض البحر. وبذلك تكون ديبرا قد دفعت ضريبة استمراها في حبّها الغبيّ لهذا القاتل..


هذه كانت نهاية الجزء الأول، المسلسلُ مليءٌ بالعديد من اللحظات المشوّقة والمعبرة، والتي سأكتب عنها في قادم التدوينات بإذن الله..