الاثنين، 9 مارس 2020

الواقعُ العربيّ بعيون الإمام مُحمّد الغزالي

يصادفُ اليوم -9 مارس- ذكرى وفاة المفكّر الإسلاميّ المصريّ القدير الإمام مُحمّد الغزالي، الذي كان يلقّب بأديب الدعوة لأسلوبه الأدبي البارع في الكتابة. استعرض في هذه التدوينة اثنتين من أكثر عباراته تأثيرًا مع التعليق عليها استنادًا إلى واقع العرب الحاليّ.


«إنّ العربَ لا يشدّ كيانهم إلا الدّين، فإذا خرجوا عليه تيّقطت فيهم جاهليتهم، فهلكوا»

«التّاريخُ يعيدُ نفسه» هذه العبارةُ والسنّة الكونيّة تلخّص وتوجزُ كلّ شيء، فبعدَ أن كان العرب يعيشُون في جاهليّةٍ فظيعةٍ، يتغذى فيها قويّهم على ضعيفهم، وتنتشر بينهم الرذائل والمنكرات، خرج من بينهم نورٌ ساطعٌ ونبيّ كريمٌ وحّدهم على رسالةٍ ورايةٍ واحدةٍ، ورفع مكانتهم ولم يجعلهم من بين أقوى الأمم فحسب، بل جعلهم الأمة الأقوى التي يهابها كلّ من في الشمال والجنوب والشرق والغرب.

لا أكتب هذه الكلمات لأنني مسلمٌ، بل لأنها الحقيقة الواضحة الجليّة التي لن يستطيع أي كائنٍ إنكارها أو تفنيدها. نبيّ الرحمة الكريمُ، الذي بدأ حياته يتيمًا فقيرًا معدومًا أميًّا، والذي عاشَ في ظروفٍ صعبةٍ مستحيلة في حيّ تائه في صّحراء قاحطة، عند قبائل يسود بينها حكمُ القويّ والحروب والظلم والقتل غير المبرّر وغير ذلك من الرذائل والمنكرات، استطاع -بفضل الله ووحيٍ منه- أن يخرجهم من الظّلمات القاتمة إلى النور المُبين، وأن يؤسس لهم دولةً قويّةً جدًّا يحكمها رجالٌ أقوياء أتقياء.

تمعنٌ بسيط بالفقرتين السابقتين يخلصُ إلى أننا نعيشُ الآن في جاهليّة جديدة، لا تختلف عن سابقتها سوى أنها الآن أصبحت مقنّنةً ومشرعنةً بفتوى أئمة التكفير والضّلال -خزاهم الله ولعنهم-. (للمزيد، هُنا).

«هناكَ معادلةٌ يجب أن يحفظها العربيّ عن ظهر قلب، هي: عرب - إسلام = صفر»

كما ذكرت وكما أسلفت، وبكل بساطة، وهذه حقيقة وليست رأيًا، قبل الإسلام: كنّا أمة لا تسوى شيئًا. واليوم، وبعد أن تركنا وابتعدنا عن الإسلام الحقيقيّ: عُدنا كذلك أمّة لا تسوى شيئًا. لن يستطيع أحدٌ إنكار ذلك. نحن بالفعل الآن نمرّ في واحدةٍ من أسوء فتراتنا إن لم تكنِ الأسوء. يكفينا أننا نُحكم من مجموعة من الظالمين والفاسدين والمفسدين والخانعين والراضخين والجبناء السارقين الناهبين الأنذال. جميعنا يعترفون بذلك.

لم يضع الكاتب اليهوديّ الأمريكيّ مايكل هارت - الذي درس في جامعة كورنيل، وجامعة برنستون، وجامعة أدلفي، ومدرسة الحقوق بجامعة نيويورك- محمّدًا على رأس القائمة في كتابه «الخالدون المئة» من فراغ. هو يهودي، والمتتبع لسيرته سيجدهُ عنصريًّا كذلك، إلا أن حياديّته عند تأليف الكتاب وأخذه لكل الحقائق بعين الاعتبار، كل ذلك لم يترك له مجالًا سوى أن يضع النبيّ الكريم في قمّة كتابه الشهير.

غلافُ كتاب «الخالدون المئة»

العرب معروفون بعنادهم وتعنّتهم وشدّتهم. استطاع النبيّ الكريم برسالته السامية تغيير وتليين نفوسهم وتطهيرها من رذائل الجاهليّة. نحن بالفعل بحاجةٍ إلى التمعّن والإدراك العميق لما فعله هذا الشخص العظيم بأولئك البشر، ومدى الصعوبة التي واجهها في تحقيق ذلك. كيف طردوه ولاحقوه وكيف عاد إليهم بجيشٍ من أبواب مكّة الأربعة وأخضعهم، كيف وحّد القبائل المتناحرة وجمعها تحت رايةٍ واحدةٍ، وكيف حوّلهم إلى أمة قوية ضاربة.. يا إلهي!

هناك عبارةٌ أُخرى لابن خلدون، قال: «العربي لا تُصلِحه إلا رِسالة، فإن نزعتَ الخُلق من الإنسانِ العربي، صار حيوانًا أعجم». وقد ذكّرتني هذه بخطابٍ لصموئيل زويمر -وهو مبشر أمريكي- في مؤتمر في مدينة القدس عام 1935 موضَحًا أهداف التبشير: «... ولكن مهمة التبشير الذي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية فإن في هذا هداية لهم وتكريماً، وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام، ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي فلا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، وبذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية.. » وبالفعل، هذا ما حصل مئة بالمئة.

ابتعد العربُ عن الدين الحنيف والراية الوحيدة التي جمعتهم ولمّت شملهم على مرّ تاريخهم، فكانت النتيجة أنهم أصبحوا في قعر الدول والممالك، بجاهليّة جديدة، تكبّهم إلى مزبلة التاريخ « كنا أذل أمة فأعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله» الخليفة عمر بن الخطّاب.

لن أختم إلا بحديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- الذي رواه مسلمٌ في صحيحه: «بدأ الإسلامُ غريبًا، وسيعود كما بدأ غريبًا، فطوبى للغرباء». ولأنني اؤمن بأن «التاريخ يعيد نفسه»، فإني اؤمن أيضًا بأن مجدنا سيعود وأننا سنخرج من جديد ونعود إلى قمّتنا التي كنّا عليها يومًا ما. «ألا إن نصر الله قريب».

عبارات أخرى أحببتها للشّيخ

- «إن كان تغييرُ المكروه في مقدوركِ، فالصّبر عليه بلاده، والرضا به حمق»
- «الويلُ لأمّةٍ يقودها التّافهون، ويُخزى عنها القادرون»
- «إذا كان صاحب البيتِ جبانًا، واللصّ جريئًا، فالبيت ضائعٌ لا محالة»
- «.. وإذا كان سكوت العلماء عن فسق الحكّام جريمةٌ، فإن تمدح العلماء للحكام الفسقة كفرانٌ مُبين .. »
- «عندما يتكلّم السياسيّ اليهوديّ رافعًا بيمينه كتابه المقدّس، فهل يسكته سياسيٌّ عربيٌّ يستحي من كتابه ولا يذكره لا في ميدانٍ ولا في محراب؟!» وقد ذكّرتني هذه بكلمة لتميم البرغوثي حول الحركة الصهيونيّة وكيف أنها تستند على الديّن في تمرير ادعاءاتها، مشاهدة ممتعة:



الخميس، 5 مارس 2020

هل من الممكن أن تصبح أجسادُنا بيوتًا ومساكنَ للشياطين؟

".. كانت صاحبتها تحسُدها لما وصلت له من نجاح، فقرّرت تدميرها بالسّحر. أرسل الكاهن جنيًّا لتدميرها، لكنّه أحبّها كثيرًا، كثيرًا جدًّا، واستوطن جسدها، ولم يتقبّل أبدًا فكرة وقوعها في حبّ كائنٍ بشريّ آخر. لكنّها أصرّت، فقرّر قَتلها وتدمير حياتها وحياة أهلها ومن تُحب" هذه كانت كلماتَ أحد المتعاملين مع العالم الآخرِ: عالم الجنّ والشياطين، عندما فسّر لي قضيّة مقتلِ شابّةٍ شغلت الإعلام مُنذ فترة وتحوّلت لقضيّة رأيٍ عام.

الكثيرُ منّا لا يؤمنون بإمكانية التعاملِ مع ذلك العالم، وهناك من لا يؤمنون بوجودهِ أصلًا. هذا بالتأكيد أمرٌ طبيعيّ جدًّا، وكنت قد وضّحت في عددٍ من التدوينات من قبل أنني كنت أنتمي لهذه الفئة أيضًا.

كذلك الأمر، الكثير ممن يصدقّون بوجوده، لا يؤمنون بقدرة تلك المخلوقات على الاختراق والتغلغل داخل الجسد والتحكم الكامل به وتدميره بشكلٍ مُمنهج، ربّما يرجع السبب في ذلك إلى عدم وجود نصّ صريحٍ لا في القرآن ولا في السنّة حول الأمر (للمُسلمين). والتطوّر الطبيّ الكبير خصوصًا الطبّ النفسي والعقليّ الذي أصبح يضعُ تشخيصًا وتفسيرًا لمعظم الحالات.

كنتُ -ومثلي الكثيرون- انتظرُ بلهفةٍ كتابَ البروفسور ريتشارد جالاجر بعنوان «Demonic Foes: My Twenty-Five Years as a Psychiatrist Investigating Possessions, Diabolic Attacks, and the Paranormal» الذي كان من المقرّر أن يصدر في شهر مايو القادم. لكنّ وللأسف، تأجل نشره إلى أكتوبر -حسب موقع أمازون-. (اضغط هُنا.)

لماذا؟

بكلّ بساطة، لأنه الكتاب الأول من تأليف متخصّص في الطب النفسيّ والأمراض السلوكيّة، الذي سيشرحُ فيه قصّة تحولّه من منكرٍ بشدّة إلى مؤمنٍ بقوّة بإمكانيّة سيطرة الشياطين بشكل كاملٍ على الجسد.

مثل كل الأطبَاء -بل وكلّ الناس حتى-، لم يؤمن جالاجر أبدًا بموضوع تلبسّ الشياطين، ولكنّه، وبعد أن حضر عدّة جلساتٍ ضمن هذا الموضوع، أصبح من المؤمنين بشدّة به، وأصبح بكلّ جرأة يُشخصّ بعض المرضى بذلك ويرسلهم إلى الكنيسة للعلاج الدينيّ عبر إجراء جلسات لاستخراج الشياطين من أجسادهم بدلًا من العلاج الطبيّ..

يؤمن البروفسر جالاجر بأن الأمراض النفسيّة والسلوكيّة قد تكون لأحد سببين: الأول هو مشاكل طبيّة طبيعيّة، والثاني هو أن تكون بسبب سيطرة الشياطين على الجسد والتحكّم به "التلبّس"، ولخبرته في هذه الأمور، أصبح قادرًا على تمييز حالة المريض، وهو ما سيشرح حيثيّاته في كتابه المُنتظر.

وكما ذكرت، لم يؤمن البروفسور بهذه الأمور إلا عندما حضر جلسات الاستخراج وشاهد تصرّفات المتلبّس واستمع إلى أقواله وعباراته، لقد ساهم ذلك في تغيير قناعاته وآرائه حول الموضوع بشكل كبير، تمامًا كما حصل معي، فكما ذكرتُ، أنا لم اؤمن يومًا بهذه الأمور، ولكن وبعد أن حضرت عدّة جلساتٍ وشاهدتُ عدّة حالاتٍ في مراكز العلاج الدينيّ، وبعد زيارتي لسوق الرحبة القديمة المتخصص بمواد السحر في مراكش العتيقة، أصبحت من المؤمنين بشدّة به وبخطره.

اقرأ أكثر، هُنا.

   نظرة على فلم «The Exorcist»

 أنهيت قبل أيام مشاهدة هذا الفلم، الذي يتحدّث عن شيطانٍ يسكن داخل فتاة بعمر 12 عامًا. حاولت أمها جاهدةً علاجها عند أمهر الأطباء وأفضل المستشفيات لكن، وبالرّغم من مشاكلها السلوكيّة. كان كل نتائج فحوصاتها وصورها الدماغيّة سليمة.


الفلم ليسَ قصّة خياليّة -بالرّغم من وجود الكثير من الأحداث المُبالغ بها- بل هو مبنيٌّ على قصّة مستوحاةٍ من حادثة حقيقيّةٍ لفتىً بعمر 14 عامًا اسمه رونالد دو. (اضغط هُنا.)

خلال الفلم: تلاحظ الأم اختلافًا كليًّا في ابنتها، وكأن هناك شخصًا آخر يقطن داخلها. كما أنها تتحدث بلغات لم يسبق لها أن تعلمّتها، وتعرف أسرار أناسٍ لم يسبق لها أن قابلتهم، كنت قد شاهدت كلّ هذه الأمور، وتحدّث عنها أيضًا البروفسور في مقابلاته.



 نظرة على فلم «The Exorcism of Emily Rose»

كنت قد كتبت تدوينةً كاملةً حول هذا الفلم المبني على قصة حقيقية لفتاةٍ تُدعى إيميلي روز، كانت شغوفةً جدًّا ومرحةً تحبّ الحياة، ولكنها وبعد أن تركت أهلها لتكمل دراستها، بدأت تتصرّف بغرابةٍ وتفقد القدرة على السيطرة على تصرّفاتها وأفعالها، وكذلك، بدأت تسمعُ أصوات هلوساتٍ وأصوات أخرى تصدر من داخلها وتأمرها بفعل أشياءٍ غريبةٍ.

لجأت إيميلي إلى العلاج الطبيّ ، ولكنّها وجدت بعد مدّةٍ أن حالتها تسوء بدون أي تحسّن، وأصبحت تتكلّم بلغات أجنبيّة في بعض الأحيان، وزادت الهلوسة لديها بشكل كبيرٍ..
 
بعد ذلك، تركت إيميلي العلاج الطبيّ، ولجأت إلى العلاج الديني عند أحد الرهبان الذي فسّر حالتها بأن الشياطين قد تمكنت من السيطرة والتغلغل داخل جسدها، ولكن الأوان كان قد فات، فلم ينجح الراهب في إخراج أولئك الشياطين من جسدها، الأمر الذي قضى عليها ودمّر جسدها تمامًا وتسببّ لاحقًا في وفاتها..

في النهاية، بالرّغم من أن لديّ الكثير من الملاحظات والتعقيبات استنادًا إلى مشاهداتي. إلا أنني لا أفضل كتابتها أو مشاركتها، ولا أحبذ أن يفعل ذلك أي شخصٍ من عامّة الناس أو من رجال الدّين أو من غير أهل اختصاص الطبّ السلوكي والعقليّ.
 
الشياطين في كلّ مكان 
كمسلمٍ، أنا اؤمن بوجود الشّياطين، واؤمن بشدّة أن الدنيا ليست إلا دار اختبار ليعلم الله عزّ وجلّ من سيتغلّب منّا على شياطينه، ومن سيرضخ لها. 
 تتغلغلُ الشياطين من حولنا، وهدفها الوحيد هو التدمير الممنهج لديننا ودُنيانا، انتقامًا منّا نحن -نسل آدم- الذين كنّا سببًا في إخراجهم من الجنّة بعد رفضهم السّجود لنا وتكبّرهم.  

«ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ»
«وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا ۖ أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ»