الصفحات

الثلاثاء، 13 سبتمبر 2022

هل باع وفرّط الفلسطينييون في أرضهم؟ استشفاف الجواب من أشعارهم

تمرّ اليوم الذكرى التاسعة والعشرون لاتفاق أوسلو الذي وقعّه قائدا ورئيسا حركة فتح السابق والحالي ياسر عرفات ومحمود عبّاس باسم الفلسطينيين، هذا الاتفاق الذي يعتبر بلا أدنى شك كارثةً أثبتت الأيّامُ والسنين مدى ضررها ونتائجها الشنيعة على القضية الفلسطينية بكل أصعدتها وخصوصًا سمعة الفلسطينيين أنفسهم في شتّى بقاع الأرض، حتى أضحى البعض يعايرهم بأنهم باعوا أرضهم، ويتحذوه شمّاعة لتطبيع أنظمتهم وحكوماتهم. 

 

قائد حركة فتح والأب الروحي لها ورئيس السلطة الفلسطينية السابق ياسر عرفات «أبو عمّار» يُصافح مُجرم الحرب إسحاق رابين أحد مهندسي ومخططي ومنفذي عملية ترحيل الفلسطينيين التي نفذتها الحركة الصهيونية. الصورة خلال حفل توقيع الاتفاقيّة في الولايات المُتحدة الأمريكيّة وقد كان ذلك بعد انتفاضة الحجارة .

 

بلا شكٍّ، المتابع عن كثب للقضيّة الفلسطينية ولأوضاع الفلسطينيين وردود فعلهم يدرك تمامًا أن الأغلبية العظمى رافضةٌ تمامًا رفضًا قاطعًا لهذا الاتفاق ولكل ما تولّد ويتولّد عنهُ، ولا ولم ولن يؤيده إلا ثلة ضئيلة ممن لديهم مصلحة ومنفعة في تأييده، أولئك الذين حصدوا من خلاله الرتب والمراتب والرواتب والمناصب الوهميّة الفارغة. 

 

إن أكثر الأخطاء سذاجة يكمن في توقيع الاتفاقية نفسها -بغضّ النظر عمّا ورد فيها من شروط خاسرة جدًا على الفلسطينيين-. لقد ربح الاحتلال كثيرًا جدًا بمجرد الجلوس مع من يدّعون أنه ممثلون لفلسطين وتوقيع هذه الاتفاقية معهم، إذ أن ذلك يعني تحويل الصراع الصفري الناشب بينهما إلى صراع تنافسي في نظر العالم، والذي يعني بدوره اعتراف الطرف الفلسطيني ضمنيًا بحقوق للطرف الآخر في هذه الأرض وتسليمه بهذا الأمر تمامًا، ومجرّد الجلوس بحدّ ذاته تنازلٌ كارثيٌّ مقيتُ حقيرٌ لدرجة لا يمكن تصوّرها. 


من ناحيةٍ ثانية، فإن تمثيل القضية الفلسطينية من طرف فلسطيني عند توقيع هذه الاتفاقيّة هو بحد ذاته انتصار ساحقٌ للحركة الاستعمارية التي تعتبر الحركة الصهيونيّة جزءًا مُنها، لأن ذلك عزّز من قُطرية القضيّة في وعي الفلسطينيين خصوصًا والشعوب العربية والإسلامية على العموم وهو ما يحقق هدف الاستعمار الأول والأهم في المنطقة «التفريق والتشتيت» وفق المبدأ البسيط «فرّق تسد».

 

«هل باع الفلسطينيون أرضهم» استشفاف الجواب من أشعارهم:

أنتقلُ الآن إلى الجزء المهم من هذه التدوينة، وهي الإجابة على سؤال «هل باع الفلسطينيون أرضهم بالفعل؟»


للردّ على هذا السؤال، حلّلتُ مُفردات 1713 قصيدة فلسطينية لأشهر 51 شاعرًا فلسطينيًا في العقود المنصرمة (كل قصيدة مع ناظِمها ونصّها موجودة في ورقة خاصّة برابطٍ في الأسفل) لمعرفة أكثرها ورودًا وترددًا، وقد اخترتُ الشعر لما له من جذور عميقة في تراث الشعوب والتراث العربي خصوصًا، إذ ما زال حتّى اليوم يُستخدم لدراسة أحوالها وسيرها، فالشاعر ليس إلا مرآة يعكس ظروف شعبه وقيمه الاجتماعيّة وأحواله وهمومه ومعاناته وأكثر ما يقلقه ويشغل باله. يمكننا من خلال فرز المُفردات الأكثر ورودًا وتكرّرًا أن نبني صورة ونضع الأسس للوضعيّة التي يفكّر فيها الفلسطينيون تجاه قضيّتهم. 


بعد الحصول على قاعدة البيانات المتضمّنة لهذه القصائد، وبعد تقسيم المفردات وتحليلها وفرزها، وباستثناء الحروف وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة، تبيّن أن أكثر الكلمات تكرّرًا هي تلك المحتوية على مُفردة «قلب» مثل: «قلبي»، و«قلبنا» .. إلخ.

جرى استثناء الكلمات التي جاءت بمعنى «جعل الأعلى أسفل» مثل «اقلب»، وهي قليلة جدًا، وظلّت الكلمة مُحتفظة بالمركزالأول لكن بعدد أقل من الوارد هُنا.

 

أما ثاني أكثر الكلمات تكرّرًا، فهي تلك المحتوية على مُفردة «موت» مثل «موتي»، و«الموت» و«موتنا» .. إلخ.

 

أما ثالث أكثر الكلمات تكرّرًا، فهي تلك المحتوية على مُفردة «أرض» مثل «أرضي»، و«أرضنا» و«الأرض» .. إلخ.

 

 

ورابع أكثر الكلمات تكرّرًا هي تلك المحتوية على مُفردة «بحر» مثل: «البحر» و«بحر» .. إلخ.

 

بعد معرفة كل ذلك، هل يُعقل أن يُتّهم شعبٌ أكثر ما يرددُّ في طيّات شعره (العاكسِ ليومهِ) مفرداتٍ يقرر من خلالها استعداده للبذل والتضحية بأغلى ما يملك «النّفس» (مُفردة الموت، وقد ضحّى وبذل وما زال يُضحّي ويبذل بالفعل)، ويؤكد ويرسّخ ارتباطه القلبي العميق بالأرض كاملة حتى مياه بحرها (مُفردات القلب والأرض والبحر) بالتفريط في قضيته وبلاده؟


والجواب بكل تأكيد: لا ولن ولم يفرّط الفلسطينيون في أرضهم، والرّاصد المتابع لواقعهم ويوميّاتهم يدرك تمامًا أن الأغلبية العُظمى منهم تقف ضد السلام الوهمي وضد كل الاتفاقيات الشنيعة الحقيرة المُبرمة باسمهم، وما زالت المقاومة مبثوثة في روح أفراده حتّى بعد حوالي 74 سنة من المعاناة والتشريد.

 _________________________________________

 

- جميع القصائد الفلسطينية وأسماء الشعراء الذين جرى فرز مُفردات أشعارهم.