الثلاثاء، 13 سبتمبر 2022

هل باع وفرّط الفلسطينييون في أرضهم؟ استشفاف الجواب من أشعارهم

تمرّ اليوم الذكرى التاسعة والعشرون لاتفاق أوسلو الذي وقعّه قائدا ورئيسا حركة فتح السابق والحالي ياسر عرفات ومحمود عبّاس باسم الفلسطينيين، هذا الاتفاق الذي يعتبر بلا أدنى شك كارثةً أثبتت الأيّامُ والسنين مدى ضررها ونتائجها الشنيعة على القضية الفلسطينية بكل أصعدتها وخصوصًا سمعة الفلسطينيين أنفسهم في شتّى بقاع الأرض، حتى أضحى البعض يعايرهم بأنهم باعوا أرضهم، ويتحذوه شمّاعة لتطبيع أنظمتهم وحكوماتهم. 

 

قائد حركة فتح والأب الروحي لها ورئيس السلطة الفلسطينية السابق ياسر عرفات «أبو عمّار» يُصافح مُجرم الحرب إسحاق رابين أحد مهندسي ومخططي ومنفذي عملية ترحيل الفلسطينيين التي نفذتها الحركة الصهيونية. الصورة خلال حفل توقيع الاتفاقيّة في الولايات المُتحدة الأمريكيّة وقد كان ذلك بعد انتفاضة الحجارة .

 

بلا شكٍّ، المتابع عن كثب للقضيّة الفلسطينية ولأوضاع الفلسطينيين وردود فعلهم يدرك تمامًا أن الأغلبية العظمى رافضةٌ تمامًا رفضًا قاطعًا لهذا الاتفاق ولكل ما تولّد ويتولّد عنهُ، ولا ولم ولن يؤيده إلا ثلة ضئيلة ممن لديهم مصلحة ومنفعة في تأييده، أولئك الذين حصدوا من خلاله الرتب والمراتب والرواتب والمناصب الوهميّة الفارغة. 

 

إن أكثر الأخطاء سذاجة يكمن في توقيع الاتفاقية نفسها -بغضّ النظر عمّا ورد فيها من شروط خاسرة جدًا على الفلسطينيين-. لقد ربح الاحتلال كثيرًا جدًا بمجرد الجلوس مع من يدّعون أنه ممثلون لفلسطين وتوقيع هذه الاتفاقية معهم، إذ أن ذلك يعني تحويل الصراع الصفري الناشب بينهما إلى صراع تنافسي في نظر العالم، والذي يعني بدوره اعتراف الطرف الفلسطيني ضمنيًا بحقوق للطرف الآخر في هذه الأرض وتسليمه بهذا الأمر تمامًا، ومجرّد الجلوس بحدّ ذاته تنازلٌ كارثيٌّ مقيتُ حقيرٌ لدرجة لا يمكن تصوّرها. 


من ناحيةٍ ثانية، فإن تمثيل القضية الفلسطينية من طرف فلسطيني عند توقيع هذه الاتفاقيّة هو بحد ذاته انتصار ساحقٌ للحركة الاستعمارية التي تعتبر الحركة الصهيونيّة جزءًا مُنها، لأن ذلك عزّز من قُطرية القضيّة في وعي الفلسطينيين خصوصًا والشعوب العربية والإسلامية على العموم وهو ما يحقق هدف الاستعمار الأول والأهم في المنطقة «التفريق والتشتيت» وفق المبدأ البسيط «فرّق تسد».

 

«هل باع الفلسطينيون أرضهم» استشفاف الجواب من أشعارهم:

أنتقلُ الآن إلى الجزء المهم من هذه التدوينة، وهي الإجابة على سؤال «هل باع الفلسطينيون أرضهم بالفعل؟»


للردّ على هذا السؤال، حلّلتُ مُفردات 1713 قصيدة فلسطينية لأشهر 51 شاعرًا فلسطينيًا في العقود المنصرمة (كل قصيدة مع ناظِمها ونصّها موجودة في ورقة خاصّة برابطٍ في الأسفل) لمعرفة أكثرها ورودًا وترددًا، وقد اخترتُ الشعر لما له من جذور عميقة في تراث الشعوب والتراث العربي خصوصًا، إذ ما زال حتّى اليوم يُستخدم لدراسة أحوالها وسيرها، فالشاعر ليس إلا مرآة يعكس ظروف شعبه وقيمه الاجتماعيّة وأحواله وهمومه ومعاناته وأكثر ما يقلقه ويشغل باله. يمكننا من خلال فرز المُفردات الأكثر ورودًا وتكرّرًا أن نبني صورة ونضع الأسس للوضعيّة التي يفكّر فيها الفلسطينيون تجاه قضيّتهم. 


بعد الحصول على قاعدة البيانات المتضمّنة لهذه القصائد، وبعد تقسيم المفردات وتحليلها وفرزها، وباستثناء الحروف وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة، تبيّن أن أكثر الكلمات تكرّرًا هي تلك المحتوية على مُفردة «قلب» مثل: «قلبي»، و«قلبنا» .. إلخ.

جرى استثناء الكلمات التي جاءت بمعنى «جعل الأعلى أسفل» مثل «اقلب»، وهي قليلة جدًا، وظلّت الكلمة مُحتفظة بالمركزالأول لكن بعدد أقل من الوارد هُنا.

 

أما ثاني أكثر الكلمات تكرّرًا، فهي تلك المحتوية على مُفردة «موت» مثل «موتي»، و«الموت» و«موتنا» .. إلخ.

 

أما ثالث أكثر الكلمات تكرّرًا، فهي تلك المحتوية على مُفردة «أرض» مثل «أرضي»، و«أرضنا» و«الأرض» .. إلخ.

 

 

ورابع أكثر الكلمات تكرّرًا هي تلك المحتوية على مُفردة «بحر» مثل: «البحر» و«بحر» .. إلخ.

 

بعد معرفة كل ذلك، هل يُعقل أن يُتّهم شعبٌ أكثر ما يرددُّ في طيّات شعره (العاكسِ ليومهِ) مفرداتٍ يقرر من خلالها استعداده للبذل والتضحية بأغلى ما يملك «النّفس» (مُفردة الموت، وقد ضحّى وبذل وما زال يُضحّي ويبذل بالفعل)، ويؤكد ويرسّخ ارتباطه القلبي العميق بالأرض كاملة حتى مياه بحرها (مُفردات القلب والأرض والبحر) بالتفريط في قضيته وبلاده؟


والجواب بكل تأكيد: لا ولن ولم يفرّط الفلسطينيون في أرضهم، والرّاصد المتابع لواقعهم ويوميّاتهم يدرك تمامًا أن الأغلبية العُظمى منهم تقف ضد السلام الوهمي وضد كل الاتفاقيات الشنيعة الحقيرة المُبرمة باسمهم، وما زالت المقاومة مبثوثة في روح أفراده حتّى بعد حوالي 74 سنة من المعاناة والتشريد.

 _________________________________________

 

- جميع القصائد الفلسطينية وأسماء الشعراء الذين جرى فرز مُفردات أشعارهم. 

 

الأربعاء، 11 نوفمبر 2020

الهندسة الاجتماعية وتغيير قناعات الشعوب - الفلسطينيون مثالًا..

تعتبر الهندسة الاجتماعية واحدة من أفتك الأسلحة التي تستخدمها الدول المتقدمة في وقتنا الحالي لتمرير ودس أفكارها تمهيدًا لتغيير قناعات وآراء الشعوب وإجبارها على الرضوخ، ومما لا شك فيه، أن الشعب الفلسطيني قد وقع ضحية بالفعل لهذا الأمر.

نظرة على شرفاء الماضي، وشرفاء الحاضر، وشرفاء المستقبل..

في عام 1951م (قبل 70 سنة تقريبًا)، اغتال الفلسطينيون الملك الأردني عبد الله الأول لأنه كان يريد السّلام مع «الإسرائيليين»، وقيل أنه التقى بقادتهم سرًا، وحاول إقناع العرب بقبول قرار التقسيم. كان وقع ذلك قاسيًا ومريرًا على آذان الفلسطينيين الذين كانوا يرفضون فكرة التنازل عن شبر واحد من أرض فلسطين أو الجلوس مع الصهاينة المحتلين على طاولة واحدة، فما كان منهم إلا أن زرعوا الرصاص داخل جسده خلال زيارته المسجد الأقصى.

لكن اليوم، وبعد وفاة صائب عريقات، قائد المفاوضات مع الجانب "الاسرائيلي"، وعلى الرغم من أنه كان يفاوض على نسبة حتى أقل من تلك التي وردت في قرار التقسيم، وعلى الرغم من فشل المفاوضات الخاسرة وعدم تحقيقها أي تقدم في واقع الفلسطينيين منذ بدأت حتى اليوم، بل على العكس تسببت في خسارتهم لأصدقائهم العرب الذين اعتبروها شماعة للتطبيع جنبًا إلى جنب مع اتفاقية أوسلو -إلى جانب خسارات أخرى-، إلا أن كل الحركات والقنوات الرسمية الفلسطينية أذاعت خبر موته بحزن شديد مع عرض لكل التعازي، وأعلنت القيادة الفلسطينية بشكل رسمي الحداد في فلسطين لمدة 3 أيام.

مقارنة بسيطة بهذين المثالين تبرز لنا مدى أهمية الهندسة الاجتماعية التي اتبعتها السياسة الإسرائيلية حتى تسببت في تغيير كامل وجذري في قناعات معظم الشعب الفلسطيني الذي كان رافضًا حتى للجلوس على طاولة مع المحتل. والسؤال هُنا: كيف سيصبح الوضع بعد 70 عامًا أخرى؟

الصفحة الأولى لجريدتي الحياة والأيام الفلسطينيتين في 11 نوفمبر 2020. تركيز على موت صائب وذكر بسيط للمناضل كمال أبو وعر الذي استشهد في نفس اليوم أثناء وجوده في سجون الاحتلال بسبب المرض.

 للمزيد، أدعوكم إلى قراءة هذا البحث بعنوان «الهندسة الإجتماعية وآثارها على المجتمع الفلسطيني». البحث ليس بجودة عالية لكنه يفي بالغرض ويعطي فكرة بسيطة حول خطر الهندسة الاجتماعية.

أيضًا، مشاهدة هذا الفيديو:


 النهاية.

الثلاثاء، 14 يوليو 2020

لعنُ يزيد فرضٌ على كل مسلم .. وعلى الجميع!

مع اقتراب ذكرى استشهاد الإمام الحُسين «رضيَ اللّه عنهُ»، وفي الوقت الذي تُدار فيه معظم دولنا وحكوماتنا من الحثالة والفاسدين المتخبطين، هل يجبُ علينا لعنُ يزيد كل يوم؟

تلعن الأغلبيةُ الشيعيّة يزيدًا كل لحظة، وتنبذه الأغلبية السنيّة وترفض إضافة «رضي الله عنه» بعد اسمه بالرغم من كونه تابعًا. في تدوينتي هذه أكتب عن نتائج وتبعات قذارة أفعاله التي –ربّما بشكل مباشرٍ أو غير مباشر- شكلت صورة عالمنا الإسلامي ومنطقتنا العربيّة اليوم.

تنويه: لا تهدفُ هذه التدوينةُ إلى سرد أحداث معركة كربلاء –حيث استشهد الإمام الحسين- ولا أحداث وقعة الحرة أو غيرها مما قام به يزيد. للقراءة حول معركة كربلاء في تدوينة سابقة لي.. اضغط هُنا.

البداية. كيف وصل يزيد إلى الحكم؟

قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهو يلاعبُ سبطه الحسن بن علي، والحديث من صحيح البُخاري: «إن ابني هذا لسيّد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين». وبالفعل، تحققت نبوءته عليه الصلاة والسلام بعد ذلك، إذ أنه وبعد الفتنة التي تغلغلت في صفوف المسلمين في عام الجماعة، وانقسامهم في صفين بين مؤيد للحسن وآخر مؤيد لمعاوية، وبعد ظهور بوادر تفيد باقتراب نشوب حرب عظيمة مدوية بين هاتين الفئتين، تنازل الحسن –رضي الله عنه- عن الحكم لمعاوية خوفًا من الاقتتال وصونًا للدماء، واتفق الطرفان على وثيقة صلح.

وجاء في البند الثاني في وثيقة الصلح المذكورة: «وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدًا، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين». لكن معاوية نقض هذا الشرط مع اقتراب وفاته، وورث الحكم لابنه يزيد، وبعد اعتراض الحسين، أرسل له يزيد جيشًا قوامه 30 ألفًا حاصروه وقتلوه وارتكبوا جريمة كبرى بحق أهل البيت، وأهانوا النساء وكبلوهن وسبوهن، وحدث ما حدث في معركة كربلاء.

لولا والده، ولولا جبروته وطغيانه وظلمه، لما تمكن يزيدٌ أبدًا من الوصول إلى عرش الخلافة الإسلامية وتثبيت حكمه. لكن، وحتى مع انتصاره العسكري في ذلك الوقت، ووجود الكثير من المطبلين والمصفقين، دارت عجلة التاريخ لتنصف الحسين والشهداء إنصافًا شديدًا، فكانت ثورتهم على ظلم يزيد وفساده انتصارًا عظيمًا لكل الشرفاء حتى يوم القيامة.

 

إذًا ..؟

قد يقول البعض أنّ كل هذه الأحداث والشخصيات من الماضي البعيد الذي انتهى. وأنا اتفق، بالتأكيد. لكن لهذه الأحداث ولهذه الشخصيات أثرٌ كبيرٌ ما زلنا نعيش صداه حتى يومنا هذا.. كيف؟ ما الذي سببته أفعال يزيد وما هي نتائجها؟

 

إعادة ترسيخُ مبدأ «الحكم والمنصب والبقاء للأقوى والأنفذ»

عمل رسولنا الكريم «عليه الصلاة والسلام» جاهدًا على إزالة واقتلاع واجتثاث ما ساد في الجاهلية من أفكارٍ ونزعات سلبية ودنيئة تمنح القوي حُكمًا على الضعيف، وعلى رفع الذات الإنسانية والارتقاء بالفكر العربي وترسيخ مبدأ «الحكم والبقاء للأتقى والأصلح والأكثر علمًا».

يزيدٌ، بفعلته النكراء هذه، أشعل الشرارة الأولى التي مهدت لإعادة العرب إلى تخلفهم كما كانوا في الجاهلية.

والناظر المتمعّن في حال معظم دولنا العربية والإسلامية اليوم يدرك هذا الأمر جيدًا، إذ صار الحكم وأمست المناصب فيها للأشخاص والمسؤولين ذوي النفوذ والقوة والسلطة وليست لذوي الكفاءة والخبرة، والواسطة والمحسوبية متغلغتان بشكل كبير وفاسد جدًا.

 

لا خطوط حمراء .. المهم تثبيتُ الحكم مهما كان الثمن!

تخيّل معي عزيزي القارئ لو يصلنا خبرٌ أن أحدهم يهاجم الكعبة في أيامنا هذه. أنا متأكد من أن المسلمين -رغم سباتهم- سيشعلون ثورة كبيرة وسيقدمون الغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن بيت الله ضد أيً كان. فما بالك بمسلمي الماضي؟ الذين كانوا في أوج قوتهم وصحوتهم؟

في عام 64 للهجرة، امتنع عددٌ من الصحابة الكرام –رضي الله عنهم- عن مبايعة يزيد منهم عبد الله بن الزبير –رضي الله عنه-. فبعث يزيدٌ إلى والي المدينة بأخذ كل من رفض المبايعة، وأصر عبد الله على موقفه، وحتى يحمي نفسه من بطش يزيد، لجأ إلى أكثر الأماكن قداسة وحرمة عند المسلمين للاختباء، لكن يزيدًا وجيشه لم يأبهوا للأمر، واستخدموا معه القوة ونصبوا المنجنيق وضربوا الحرم وأصابوا الكعبة حتى هدم جزء من جدارها.

وكذلك، وبعد انتهاء معركة كربلاء، وبعد أن قتل من أهل البيت الكرام –رضي الله عنهم جميعًا- من قتل. ثار أهل المدينة على يزيد ورفضوا بقائه في الحكم، ونقضوا مبايعته. فما كان من يزيد إلا أن أرسل لهم جيشًا كبيرًا من الشام لقمعهم وإجبارهم على الرضوخ لأمره. فحدثت وقعة الحرة التي قتل فيها عشرات –وربما مئات، وبعض المصادر تقدر العدد بالآلاف- الصحابة الكرام والتابعين من الصالحين وحفظة القرآن وأصحاب العلم.

لم يتردد يزيد في استباحة المقدسات، وإراقة دماء الأبرياء والعلماء والصالحين وخيرة أهل البيت لتثبيت حكمه وإسكات كلمة الحق. واستنادًا إلى كل ما ذُكر، نستطيع أن نستنتج أن الحكومات العربية اليوم بريئةٌ من شرارة النجاسة والدنائة والقذارة الأخلاقية الأولى، فأفعالهم ليست إلا تكرارًا لما قام به السلف الطالح من أمثال يزيد.

 

السنة والشيعة

إن الأفعال التي يقوم بها الشيعة اليوم من تطبير ولطم وتسييل للدماء .. إلخ ليست من عقيدتهم، ولم تنشأ إلا كردة فعل على مقتل الحسين(1) الذي كان بسبب يزيد. وبالرغم من أن عددًا كبيرًا من كبار علماء الشيعة ينبذها، إلا أنها ما زالت أول ما يُرتسم في ذهن كثير من أهل السنة عند ذكر الشيعة. بل وربما أول ما يرتسم في ذهن بعض غير المسلمين عندما يسمعون كلمة «إسلام».

الانقسام السياسي بين السنة والشيعة موجود منذ وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم يكن هناك أي اختلاف عقائدي يُذكر. إنما مجرد جماعة عارضت تولي أبو بكر –رضي الله عنه- للحكم ورأت أن الأصلح تولي علي بن أبي طالب –كرّم الله وجهه- للحكم. ربما تكون الخلافات السياسية قد تعززت والعقائدية قد نشأت لاحقًا قبل يزيد. لكن المؤكد أن أفعال يزيد في معركة كربلاء خصوصًا وجريمته بحق أهل البيت عززت بشكل كبير وخطير جدًا الخلاف السياسي والعقائدي أيضًا بين الطائفتين. وما زلنا نعيش ذلك الأثر الخطير حتى يومنا هذا متمثلًا في الانقسام الكبير الحاصل بينهما.

 

بعد كل ذلك.. هل يجب علينا لعن يزيد؟

كنت قد قرأت عددًا من المقالات والكتب السنية حول الأمر كان آخرها للإمام ابن الجوزي بعنوان «الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد»، الذي يوضح فيه آراء علماء المسلمين حول الأمر، ويجيز لعنه مستغربًا من الطرح نفسه إذ يقول: «ما تقولون في رجل ولي أمر المسلمين ثلاث سنين .. في السنة الأولى قتل الحسين .. في السنة الثانية استباح مدينة رسول الله، في السنة الثالثة رمى الكعبة بالمنجنيق؟.. قالوا: نلعنه .. قال: «فالعنوه» ولعنه على المنبر.

لكن، وبسبب تضارب الروايات وتعددها حول يزيد وصلاحه وفساده وأفعاله ومواقفه في ذلك الوقت، يقول كثير من العلماء أن أمره إلى الله فقط. ولا يجيزون لعنه.

 

ختام

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والحديث متفقٌ عليه: «فوَاللهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عليكُمْ ولكنِّي أَخْشَى أن تُبْسَطَ الدُّنْيا عليكُمْ كما بُسِطَتْ على مَنْ كَانَ قبلَكُم فَتَنافَسُوها كَما تَنافَسُوها فتُهْلِكَكُمْ كما أهلَكَتْهُم». هذا بالضبط وصف دقيق جدًا لما حدث في عهد يزيد، ولحالنا اليوم حيث يتنافس الحثالة على تثبيت أنفسهم في الكراسي والنعيم الوهمي الزائل.

كلي ثقة من أن الأمور ستتحسن يومًا ما في دولنا الإسلامية والعربية، وأننا سنتحرر من محتلينا الحقيقيين الذين لن يجدوا مصفقًا أو مطبلًا واحدًا حينما يكبهم التاريخ جميعًا في المزابل.

اللهم العن كل الطغاة والظالمين

اللهم العن كل الفاسدين والمفسدين

اللهم العن أعوانهم وكل من يطبل ويصفق لهم

اللهم العن أعوانهم وكل من يطبل ويصفق لهم

اللهم العن أعوانهم وكل من يطبل ويصفق لهم

اللهم العن أعوانهم وكل من يطبل ويصفق لهم

 

نهاية.

اقرأ أيضًا:

- السنة والشيعة .. خطورة النعرات الطائفية.

- معاوية بن أبي سفيان .. المعمر والمدمر.

- الواقع العربي بعيون الإمام محمد الغزالي.


الأربعاء، 10 يونيو 2020

نظرة على فيلم «Snowpiercer» .. عندما يكون القادة بلا شرف .. !

تحذير: تحرق هذه التدوينة أحداث الفلم، لذا، إن كنت تنوي مشاهدته فإني أنصحك بالخروج والعودة إلى القراءة لاحقًا

يَحكي الفيلمُ قصّة تجمّد كوكب الأرض بالكامِل، وموت جَميع الكائنات الحيّة تقريبًا بفعل الاحتباس الحراري وما تلى ذلك من مُحاولاتٍ فاشلة لمُعالجة الوضع. ولإنقاذ الحياة البشريّة، يُصمم أحدهم قطارًا كبيرًا ويضع على متنه كل الناجين من البشر، ليعيش صفوتهم في مقدمة القطار، أما العامّة والفقراء فيعيشون في ذيله.

عاش العامة والفقراء داخله في شدّة وغمام وفي أسوء الظروف، ووصل بهم الحال إلى أكل الحشرات والفضلات بل وحتى أكل لحوم الضعفاء منهم. استمر حالهم هذا لأكثر من سبعة عشر عامًا ما بين جوع وعطش وذل وقهر، يُقمَعون من أجهزة الصّفوة الأمنيّة لإجبارهم على الرضوخ للأوامر والرضا بمنزلتهم في مؤخرة القطار.

لكن في النهاية، وبعد مرور 17 عامًا على هذا الحال، قرر العامة والفقراء الثورة والتمرّد على كل ذلك وعدم الرضوخ لأوامر حكام القطار، وطلبوا منهم حقهم في الحياة الكريمة، واشتبكوا مع أجهزة القطار الأمنية المدججة بأعتى أنواع الأسلحة، ونجحوا في إزاحتهم بعد أن قُتل منهم من قتل، وذبح من ذبح، وعبروا إلى مقدمة القطار.

وجد الثوار في النهاية أن الصفوة وقادتهم كانوا يعيشون حياة مختلفة تمامًا في المقدمة، حياة مرفهة أكثر مما كانوا يتصورون، في عربات تحوي حدائق ومنتزهات فيها أرقى وأجود أنواع المأكولات، ومدارس ورياض أطفال، وأطباء ومستشفيات، ومحلات ملابس وصالونات تجميل وحمامات سباحة ومراقص، وغير ذلك.

اكتشف الثوار مدى حجم الخدعة التي انطلت عليهم طيلة السبعة عشر عامًا الماضية بسبب خنوعهم ورضوخهم وخوفهم من التجمد والموت. لم تقف الأمور عند هذا الحد، بل أنه وبعد تفجير باب القطار والخروج منه اكتُشفت مفاجأة أخرى: العالم في الخارج لا يتجمد بالشكل المروع الذي صوره القادة لهم، والكوكب لا ينهار، والحياة ما زالت قائمة، اتضح أن كل ذلك أيضًا لم يكن إلا خدعة لإفناعهم بالصعود على متن ذلك القطار وتحمل كل تلك الويلات.

مجموعةٌ من عديمي الشرف والضمير، حكموا أولئك المساكين لمدة تربو عن سبعة عشر عامًا، أذاقوهم فيها الويلات، وعيشوهم في أسوء الظروف، وظنوا أنهم بأجهزتهم الأمنية المدججة بالسلاح سيستمرون في فسادهم وظلمهم إلى الأبد، وسيوقفون كل محاولة تمرد أو ثورة. لكن وحيث أن الظلم والفساد لا ولن يدوما أبدًا، خرج من بين الظلمات نور ثوار صادقين كشفوا الحقيقة وأفسدوا كل مخططاتهم.

الفيلم جميل جدًا، وهو بالأصل مقتبس من رواية فرنسية لجاك لوب، وبنجامين ليجراند، وجان مارك راشيت، نُشرت عام 1982م. فاز الفلم وترشح لعدة جوائز إقليمية وعالمية. أنصح الجميع بالمشاهدة.


الجمعة، 1 مايو 2020

الصهاينة والشياطين .. والتطبيع

كان يريد السّلام مع «الإسرائيليين»، وقيل أنه التقى بقادتهم سرًا، وحاول إقناع العرب بقبول قرار التقسيم، إلا أن وقع ذلك كله كان قاسيًا ومريرًا على آذان الفلسطينيين، فما كان منهم إلا أن زرعوا الرصاص داخل جسده باغتياله أثناء زيارته للمسجد الأقصى.
الملك الأردني عبد الله الأول. اغتاله الفلسطينييون في 20 يوليو 1951 أثناء زيارته للمسجد الأقصى، للأسباب المذكورة.
لكن اليوم، يلتقي «الممثل الشرعي» للشعب الفلسطيني بالإسرائيليين علنًا، وينادي بحدود دولة على أراضي ما تم احتلاله في ال67 (أصغر من تلك المقترحة في قرار التقسيم)، بل حتى أنه حضر جنازة أحد القادة «الإسرائيليين» الذي كان قد تسبّب في مقتل وتشريد وذبح آلاف الفلسطينيين يومًا ما، وقال على الملأ: «"إسرائيل" وجدت لتبقى». ومع ذلك، فهو لا يلقى إلا التعظيم والتمجيد والتهليل بمشاعر تملؤها الوطنية.

نفس الأفعال، لكن تقييمها تغيّر بمرور الزمن، وأصبحت طبلة آذان الفلسطينيين معتادةً على سماع ما كانت تعتبره في الماضي عبارات خيانةٍ صريحة للقضية والمبادئ..

تغيّر الزمان، وشتّان بين عامي 1951، و2020، بين هاتين السنتين حدثت الكثير من الأمور التي مهدت الطريق لتمجيد من كان يعتبره الفلسطينييون «خائنًا» في الماضي. الكثير من الشهداء، والأسرى، والحروب، والانتفاضات، تبعتها مؤتمرات سلام وهمي، واتفاقيات واهية، ومفاوضات خاسرة، والكثير الكثير من الخنوع والتنازلات في القضية والمبادئ. كل ذلك حصل بالتدريج وبشكل ممنهج من جانب الحركة الصهيونية، تمامًا كما تفعل الشياطين عند تدمير الأفراد..

غضب الفلسطينييون كثيرًا على ما ورد من مشاهد تطبيعية في بعض المسلسلات هذه السنة (2020)، ووصفوا الممثلين بالخونة، وأنا متأكد مئة بالمئة أنه -في حال استمرت الأمور على نفس النحو- بعد سنوات وبمرور الزمن سيصبح الأمر عاديًا جدًا ومتقبلًا (على الأقل عند المعظم) وما ورد في الأعلى خير دليل على ذلك.. وبين النقطتين سيكون هناك الكثير والكثير من الأحداث والتنازلات مرة أخرى..


ملاحظة قبل الختام: ليس كل الفلسطينيين يمجدون الثاني، خصوصًا الأحرار الذين ليست لهم منافع مادية أو سلطوية معه أو مع أجهزته.

الاثنين، 9 مارس 2020

الواقعُ العربيّ بعيون الإمام مُحمّد الغزالي

يصادفُ اليوم -9 مارس- ذكرى وفاة المفكّر الإسلاميّ المصريّ القدير الإمام مُحمّد الغزالي، الذي كان يلقّب بأديب الدعوة لأسلوبه الأدبي البارع في الكتابة. استعرض في هذه التدوينة اثنتين من أكثر عباراته تأثيرًا مع التعليق عليها استنادًا إلى واقع العرب الحاليّ.


«إنّ العربَ لا يشدّ كيانهم إلا الدّين، فإذا خرجوا عليه تيّقطت فيهم جاهليتهم، فهلكوا»

«التّاريخُ يعيدُ نفسه» هذه العبارةُ والسنّة الكونيّة تلخّص وتوجزُ كلّ شيء، فبعدَ أن كان العرب يعيشُون في جاهليّةٍ فظيعةٍ، يتغذى فيها قويّهم على ضعيفهم، وتنتشر بينهم الرذائل والمنكرات، خرج من بينهم نورٌ ساطعٌ ونبيّ كريمٌ وحّدهم على رسالةٍ ورايةٍ واحدةٍ، ورفع مكانتهم ولم يجعلهم من بين أقوى الأمم فحسب، بل جعلهم الأمة الأقوى التي يهابها كلّ من في الشمال والجنوب والشرق والغرب.

لا أكتب هذه الكلمات لأنني مسلمٌ، بل لأنها الحقيقة الواضحة الجليّة التي لن يستطيع أي كائنٍ إنكارها أو تفنيدها. نبيّ الرحمة الكريمُ، الذي بدأ حياته يتيمًا فقيرًا معدومًا أميًّا، والذي عاشَ في ظروفٍ صعبةٍ مستحيلة في حيّ تائه في صّحراء قاحطة، عند قبائل يسود بينها حكمُ القويّ والحروب والظلم والقتل غير المبرّر وغير ذلك من الرذائل والمنكرات، استطاع -بفضل الله ووحيٍ منه- أن يخرجهم من الظّلمات القاتمة إلى النور المُبين، وأن يؤسس لهم دولةً قويّةً جدًّا يحكمها رجالٌ أقوياء أتقياء.

تمعنٌ بسيط بالفقرتين السابقتين يخلصُ إلى أننا نعيشُ الآن في جاهليّة جديدة، لا تختلف عن سابقتها سوى أنها الآن أصبحت مقنّنةً ومشرعنةً بفتوى أئمة التكفير والضّلال -خزاهم الله ولعنهم-. (للمزيد، هُنا).

«هناكَ معادلةٌ يجب أن يحفظها العربيّ عن ظهر قلب، هي: عرب - إسلام = صفر»

كما ذكرت وكما أسلفت، وبكل بساطة، وهذه حقيقة وليست رأيًا، قبل الإسلام: كنّا أمة لا تسوى شيئًا. واليوم، وبعد أن تركنا وابتعدنا عن الإسلام الحقيقيّ: عُدنا كذلك أمّة لا تسوى شيئًا. لن يستطيع أحدٌ إنكار ذلك. نحن بالفعل الآن نمرّ في واحدةٍ من أسوء فتراتنا إن لم تكنِ الأسوء. يكفينا أننا نُحكم من مجموعة من الظالمين والفاسدين والمفسدين والخانعين والراضخين والجبناء السارقين الناهبين الأنذال. جميعنا يعترفون بذلك.

لم يضع الكاتب اليهوديّ الأمريكيّ مايكل هارت - الذي درس في جامعة كورنيل، وجامعة برنستون، وجامعة أدلفي، ومدرسة الحقوق بجامعة نيويورك- محمّدًا على رأس القائمة في كتابه «الخالدون المئة» من فراغ. هو يهودي، والمتتبع لسيرته سيجدهُ عنصريًّا كذلك، إلا أن حياديّته عند تأليف الكتاب وأخذه لكل الحقائق بعين الاعتبار، كل ذلك لم يترك له مجالًا سوى أن يضع النبيّ الكريم في قمّة كتابه الشهير.

غلافُ كتاب «الخالدون المئة»

العرب معروفون بعنادهم وتعنّتهم وشدّتهم. استطاع النبيّ الكريم برسالته السامية تغيير وتليين نفوسهم وتطهيرها من رذائل الجاهليّة. نحن بالفعل بحاجةٍ إلى التمعّن والإدراك العميق لما فعله هذا الشخص العظيم بأولئك البشر، ومدى الصعوبة التي واجهها في تحقيق ذلك. كيف طردوه ولاحقوه وكيف عاد إليهم بجيشٍ من أبواب مكّة الأربعة وأخضعهم، كيف وحّد القبائل المتناحرة وجمعها تحت رايةٍ واحدةٍ، وكيف حوّلهم إلى أمة قوية ضاربة.. يا إلهي!

هناك عبارةٌ أُخرى لابن خلدون، قال: «العربي لا تُصلِحه إلا رِسالة، فإن نزعتَ الخُلق من الإنسانِ العربي، صار حيوانًا أعجم». وقد ذكّرتني هذه بخطابٍ لصموئيل زويمر -وهو مبشر أمريكي- في مؤتمر في مدينة القدس عام 1935 موضَحًا أهداف التبشير: «... ولكن مهمة التبشير الذي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية فإن في هذا هداية لهم وتكريماً، وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام، ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي فلا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، وبذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية.. » وبالفعل، هذا ما حصل مئة بالمئة.

ابتعد العربُ عن الدين الحنيف والراية الوحيدة التي جمعتهم ولمّت شملهم على مرّ تاريخهم، فكانت النتيجة أنهم أصبحوا في قعر الدول والممالك، بجاهليّة جديدة، تكبّهم إلى مزبلة التاريخ « كنا أذل أمة فأعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله» الخليفة عمر بن الخطّاب.

لن أختم إلا بحديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- الذي رواه مسلمٌ في صحيحه: «بدأ الإسلامُ غريبًا، وسيعود كما بدأ غريبًا، فطوبى للغرباء». ولأنني اؤمن بأن «التاريخ يعيد نفسه»، فإني اؤمن أيضًا بأن مجدنا سيعود وأننا سنخرج من جديد ونعود إلى قمّتنا التي كنّا عليها يومًا ما. «ألا إن نصر الله قريب».

عبارات أخرى أحببتها للشّيخ

- «إن كان تغييرُ المكروه في مقدوركِ، فالصّبر عليه بلاده، والرضا به حمق»
- «الويلُ لأمّةٍ يقودها التّافهون، ويُخزى عنها القادرون»
- «إذا كان صاحب البيتِ جبانًا، واللصّ جريئًا، فالبيت ضائعٌ لا محالة»
- «.. وإذا كان سكوت العلماء عن فسق الحكّام جريمةٌ، فإن تمدح العلماء للحكام الفسقة كفرانٌ مُبين .. »
- «عندما يتكلّم السياسيّ اليهوديّ رافعًا بيمينه كتابه المقدّس، فهل يسكته سياسيٌّ عربيٌّ يستحي من كتابه ولا يذكره لا في ميدانٍ ولا في محراب؟!» وقد ذكّرتني هذه بكلمة لتميم البرغوثي حول الحركة الصهيونيّة وكيف أنها تستند على الديّن في تمرير ادعاءاتها، مشاهدة ممتعة:



الخميس، 5 مارس 2020

هل من الممكن أن تصبح أجسادُنا بيوتًا ومساكنَ للشياطين؟

".. كانت صاحبتها تحسُدها لما وصلت له من نجاح، فقرّرت تدميرها بالسّحر. أرسل الكاهن جنيًّا لتدميرها، لكنّه أحبّها كثيرًا، كثيرًا جدًّا، واستوطن جسدها، ولم يتقبّل أبدًا فكرة وقوعها في حبّ كائنٍ بشريّ آخر. لكنّها أصرّت، فقرّر قَتلها وتدمير حياتها وحياة أهلها ومن تُحب" هذه كانت كلماتَ أحد المتعاملين مع العالم الآخرِ: عالم الجنّ والشياطين، عندما فسّر لي قضيّة مقتلِ شابّةٍ شغلت الإعلام مُنذ فترة وتحوّلت لقضيّة رأيٍ عام.

الكثيرُ منّا لا يؤمنون بإمكانية التعاملِ مع ذلك العالم، وهناك من لا يؤمنون بوجودهِ أصلًا. هذا بالتأكيد أمرٌ طبيعيّ جدًّا، وكنت قد وضّحت في عددٍ من التدوينات من قبل أنني كنت أنتمي لهذه الفئة أيضًا.

كذلك الأمر، الكثير ممن يصدقّون بوجوده، لا يؤمنون بقدرة تلك المخلوقات على الاختراق والتغلغل داخل الجسد والتحكم الكامل به وتدميره بشكلٍ مُمنهج، ربّما يرجع السبب في ذلك إلى عدم وجود نصّ صريحٍ لا في القرآن ولا في السنّة حول الأمر (للمُسلمين). والتطوّر الطبيّ الكبير خصوصًا الطبّ النفسي والعقليّ الذي أصبح يضعُ تشخيصًا وتفسيرًا لمعظم الحالات.

كنتُ -ومثلي الكثيرون- انتظرُ بلهفةٍ كتابَ البروفسور ريتشارد جالاجر بعنوان «Demonic Foes: My Twenty-Five Years as a Psychiatrist Investigating Possessions, Diabolic Attacks, and the Paranormal» الذي كان من المقرّر أن يصدر في شهر مايو القادم. لكنّ وللأسف، تأجل نشره إلى أكتوبر -حسب موقع أمازون-. (اضغط هُنا.)

لماذا؟

بكلّ بساطة، لأنه الكتاب الأول من تأليف متخصّص في الطب النفسيّ والأمراض السلوكيّة، الذي سيشرحُ فيه قصّة تحولّه من منكرٍ بشدّة إلى مؤمنٍ بقوّة بإمكانيّة سيطرة الشياطين بشكل كاملٍ على الجسد.

مثل كل الأطبَاء -بل وكلّ الناس حتى-، لم يؤمن جالاجر أبدًا بموضوع تلبسّ الشياطين، ولكنّه، وبعد أن حضر عدّة جلساتٍ ضمن هذا الموضوع، أصبح من المؤمنين بشدّة به، وأصبح بكلّ جرأة يُشخصّ بعض المرضى بذلك ويرسلهم إلى الكنيسة للعلاج الدينيّ عبر إجراء جلسات لاستخراج الشياطين من أجسادهم بدلًا من العلاج الطبيّ..

يؤمن البروفسر جالاجر بأن الأمراض النفسيّة والسلوكيّة قد تكون لأحد سببين: الأول هو مشاكل طبيّة طبيعيّة، والثاني هو أن تكون بسبب سيطرة الشياطين على الجسد والتحكّم به "التلبّس"، ولخبرته في هذه الأمور، أصبح قادرًا على تمييز حالة المريض، وهو ما سيشرح حيثيّاته في كتابه المُنتظر.

وكما ذكرت، لم يؤمن البروفسور بهذه الأمور إلا عندما حضر جلسات الاستخراج وشاهد تصرّفات المتلبّس واستمع إلى أقواله وعباراته، لقد ساهم ذلك في تغيير قناعاته وآرائه حول الموضوع بشكل كبير، تمامًا كما حصل معي، فكما ذكرتُ، أنا لم اؤمن يومًا بهذه الأمور، ولكن وبعد أن حضرت عدّة جلساتٍ وشاهدتُ عدّة حالاتٍ في مراكز العلاج الدينيّ، وبعد زيارتي لسوق الرحبة القديمة المتخصص بمواد السحر في مراكش العتيقة، أصبحت من المؤمنين بشدّة به وبخطره.

اقرأ أكثر، هُنا.

   نظرة على فلم «The Exorcist»

 أنهيت قبل أيام مشاهدة هذا الفلم، الذي يتحدّث عن شيطانٍ يسكن داخل فتاة بعمر 12 عامًا. حاولت أمها جاهدةً علاجها عند أمهر الأطباء وأفضل المستشفيات لكن، وبالرّغم من مشاكلها السلوكيّة. كان كل نتائج فحوصاتها وصورها الدماغيّة سليمة.


الفلم ليسَ قصّة خياليّة -بالرّغم من وجود الكثير من الأحداث المُبالغ بها- بل هو مبنيٌّ على قصّة مستوحاةٍ من حادثة حقيقيّةٍ لفتىً بعمر 14 عامًا اسمه رونالد دو. (اضغط هُنا.)

خلال الفلم: تلاحظ الأم اختلافًا كليًّا في ابنتها، وكأن هناك شخصًا آخر يقطن داخلها. كما أنها تتحدث بلغات لم يسبق لها أن تعلمّتها، وتعرف أسرار أناسٍ لم يسبق لها أن قابلتهم، كنت قد شاهدت كلّ هذه الأمور، وتحدّث عنها أيضًا البروفسور في مقابلاته.



 نظرة على فلم «The Exorcism of Emily Rose»

كنت قد كتبت تدوينةً كاملةً حول هذا الفلم المبني على قصة حقيقية لفتاةٍ تُدعى إيميلي روز، كانت شغوفةً جدًّا ومرحةً تحبّ الحياة، ولكنها وبعد أن تركت أهلها لتكمل دراستها، بدأت تتصرّف بغرابةٍ وتفقد القدرة على السيطرة على تصرّفاتها وأفعالها، وكذلك، بدأت تسمعُ أصوات هلوساتٍ وأصوات أخرى تصدر من داخلها وتأمرها بفعل أشياءٍ غريبةٍ.

لجأت إيميلي إلى العلاج الطبيّ ، ولكنّها وجدت بعد مدّةٍ أن حالتها تسوء بدون أي تحسّن، وأصبحت تتكلّم بلغات أجنبيّة في بعض الأحيان، وزادت الهلوسة لديها بشكل كبيرٍ..
 
بعد ذلك، تركت إيميلي العلاج الطبيّ، ولجأت إلى العلاج الديني عند أحد الرهبان الذي فسّر حالتها بأن الشياطين قد تمكنت من السيطرة والتغلغل داخل جسدها، ولكن الأوان كان قد فات، فلم ينجح الراهب في إخراج أولئك الشياطين من جسدها، الأمر الذي قضى عليها ودمّر جسدها تمامًا وتسببّ لاحقًا في وفاتها..

في النهاية، بالرّغم من أن لديّ الكثير من الملاحظات والتعقيبات استنادًا إلى مشاهداتي. إلا أنني لا أفضل كتابتها أو مشاركتها، ولا أحبذ أن يفعل ذلك أي شخصٍ من عامّة الناس أو من رجال الدّين أو من غير أهل اختصاص الطبّ السلوكي والعقليّ.
 
الشياطين في كلّ مكان 
كمسلمٍ، أنا اؤمن بوجود الشّياطين، واؤمن بشدّة أن الدنيا ليست إلا دار اختبار ليعلم الله عزّ وجلّ من سيتغلّب منّا على شياطينه، ومن سيرضخ لها. 
 تتغلغلُ الشياطين من حولنا، وهدفها الوحيد هو التدمير الممنهج لديننا ودُنيانا، انتقامًا منّا نحن -نسل آدم- الذين كنّا سببًا في إخراجهم من الجنّة بعد رفضهم السّجود لنا وتكبّرهم.  

«ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ»
«وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا ۖ أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ»