دأب الإعلاميُّ السعوديّ المرموق المعروف أحمد الشقيري على تعليمنا الإحسان والفضائل عبر برامجه المتنوّعة لسنواتٍ قبل أن تكشف الإبادة الجماعيّة الحاصلة في غزّة لأكثر من عام وقت كتابة هذه الكلمات -رحم الله شهدائها- حقيقته ليتبيّن لنا في النهاية أنه ليس سوى شخصٍ خاضعٍ مُنصاعٍ وبوقٍ من أبواق وليّ الأمر، فهو لم ينشر عبر حساباته التي يتابِعُها عشراتُ الملايين سوى مَقطعٍ مرئيٍّ واحدٍ دعا فيه إلى وقف الازدواجية في المعايير فقط، تبعها غياب وانخراسٌ تام.
وإحدى المعلومات الغريبة والصّادمة هي أن هذا الإعلامي الذي يُصدّر على أنه رمز للشباب السُعوديّ المُنتج الواعي الرصين المثقّفِ المُحسن المُهذّب ذو أصول فلسطينية، فجدّه هو أحمد الشقيري مؤسس منظّمة التحرير الفلسطينية، والتي كانت شريفة طاهرة في بدايتها داعيةً إلى نهج واضح مُوحّدٍ مُستقىً من دروس وعبرٍ علّمنا إياها التاريخُ والأهم أنها مستشفاةٌ من ديننا الحنيف المستقيم، نهجٌ يقول بكل صراحة أن ما أخذ بالقوّة لا يستردّ إلا بالقوّة مهما بلغت ضريبةُ التّضحيات، نهجٌ رافضٌ رفضًا قاطعًا صارمًا تامًّا لكل مسارات التسوية وخيارات التنازل مُعترفٌ بوعورة درب ومشاقّ طريق التحرير الكامل.
كيف وصل الأمر إلى أن يكون حفيد المؤسس سعوديًا؟
كان أحمد الشقيري ثابتًا على موقف المنظّمة من حيث التشبّث بالتحرير الكامل لفلسطين من نهرها إلى بحرها عبر مسار مقاوم فقط وفقط، ولكن تدخلات خارجيّة انزعجت من رصانته هذه ورفضه التام لأي مسار تنازليّ أو مساومات على الحقوق الفلسطينية. كان يُراد اختراق المنظّمة وتصعيد أشخاص قابلين للطيّ والليّ والعجن مُجرّدين من المبادئ والأصول والدين حتى يسهل السيطرة عليهم وبالتالي يسهل توجيه المنظّمة نحو أي مسار تريده هذه الجهات.
تزايدت الضّغوط عليه، وجرى إقناعه بالحصول على الجنسيّة السعوديّة له ولأبنائه من بعده مقابل تنازله عن منصب الرّئيس فقط، وكان منحه هذه الجنسيّة الخيار الأسهل والأرصن فهو ينحدر من عائلة الشقيري الحجازيّة المعروفة. وبكل أسف، قبل أحمد الشقيري هذا الأمر، وتنازل عن منصب الرئيس، وحصل وأبنائه على الجنسيّة السعودية، والإعلاميّ المشهور ليس سوى واحدٍ من أحفاده.
نجاح اختراق المنظّمة، وضياع فلسطين
استلم يحيى حمّود رئاسة المنظّمة لفترة لم تتجاوز عامين، قبل أن يهلّ عليها نجم التنازلات والخيبات والخضوع والانهزام ياسر عرفات، الذي لا أدري صراحةً كيف يُمجّده البعض خصوصًا من الفلسطينيين أنفسهم رغم وضوح انصياعه وسطوع تنازلاته وصفاء براغماتيّته الخيانيّة التي تتجلى حاليًا في السلطة الفلسطينية التي كشفت الأيام والسّنونُ حقيقتها بوضوح لا يقبل أي تأويل أو تفسير أو شرح أو إسهاب أو نقاش.
وفي الختام، رحم الله شُهداء الإبادة الجماعيّة في غزّة وشهداء فلسطين ولبنان وكل المنطقة وكل الأحرار، وصبّر أهلهم وذويهم وكل المصابين الذين يدفعون ثمن التضحيات وضريبة التحرير، ورزقهم وأحبابهم الجنّة من غير حساب.