الثلاثاء، 14 يوليو 2020

لعنُ يزيد فرضٌ على كل مسلم .. وعلى الجميع!

مع اقتراب ذكرى استشهاد الإمام الحُسين «رضيَ اللّه عنهُ»، وفي الوقت الذي تُدار فيه معظم دولنا وحكوماتنا من الحثالة والفاسدين المتخبطين، هل يجبُ علينا لعنُ يزيد كل يوم؟

تلعن الأغلبيةُ الشيعيّة يزيدًا كل لحظة، وتنبذه الأغلبية السنيّة وترفض إضافة «رضي الله عنه» بعد اسمه بالرغم من كونه تابعًا. في تدوينتي هذه أكتب عن نتائج وتبعات قذارة أفعاله التي –ربّما بشكل مباشرٍ أو غير مباشر- شكلت صورة عالمنا الإسلامي ومنطقتنا العربيّة اليوم.

تنويه: لا تهدفُ هذه التدوينةُ إلى سرد أحداث معركة كربلاء –حيث استشهد الإمام الحسين- ولا أحداث وقعة الحرة أو غيرها مما قام به يزيد. للقراءة حول معركة كربلاء في تدوينة سابقة لي.. اضغط هُنا.

البداية. كيف وصل يزيد إلى الحكم؟

قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهو يلاعبُ سبطه الحسن بن علي، والحديث من صحيح البُخاري: «إن ابني هذا لسيّد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين». وبالفعل، تحققت نبوءته عليه الصلاة والسلام بعد ذلك، إذ أنه وبعد الفتنة التي تغلغلت في صفوف المسلمين في عام الجماعة، وانقسامهم في صفين بين مؤيد للحسن وآخر مؤيد لمعاوية، وبعد ظهور بوادر تفيد باقتراب نشوب حرب عظيمة مدوية بين هاتين الفئتين، تنازل الحسن –رضي الله عنه- عن الحكم لمعاوية خوفًا من الاقتتال وصونًا للدماء، واتفق الطرفان على وثيقة صلح.

وجاء في البند الثاني في وثيقة الصلح المذكورة: «وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدًا، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين». لكن معاوية نقض هذا الشرط مع اقتراب وفاته، وورث الحكم لابنه يزيد، وبعد اعتراض الحسين، أرسل له يزيد جيشًا قوامه 30 ألفًا حاصروه وقتلوه وارتكبوا جريمة كبرى بحق أهل البيت، وأهانوا النساء وكبلوهن وسبوهن، وحدث ما حدث في معركة كربلاء.

لولا والده، ولولا جبروته وطغيانه وظلمه، لما تمكن يزيدٌ أبدًا من الوصول إلى عرش الخلافة الإسلامية وتثبيت حكمه. لكن، وحتى مع انتصاره العسكري في ذلك الوقت، ووجود الكثير من المطبلين والمصفقين، دارت عجلة التاريخ لتنصف الحسين والشهداء إنصافًا شديدًا، فكانت ثورتهم على ظلم يزيد وفساده انتصارًا عظيمًا لكل الشرفاء حتى يوم القيامة.

 

إذًا ..؟

قد يقول البعض أنّ كل هذه الأحداث والشخصيات من الماضي البعيد الذي انتهى. وأنا اتفق، بالتأكيد. لكن لهذه الأحداث ولهذه الشخصيات أثرٌ كبيرٌ ما زلنا نعيش صداه حتى يومنا هذا.. كيف؟ ما الذي سببته أفعال يزيد وما هي نتائجها؟

 

إعادة ترسيخُ مبدأ «الحكم والمنصب والبقاء للأقوى والأنفذ»

عمل رسولنا الكريم «عليه الصلاة والسلام» جاهدًا على إزالة واقتلاع واجتثاث ما ساد في الجاهلية من أفكارٍ ونزعات سلبية ودنيئة تمنح القوي حُكمًا على الضعيف، وعلى رفع الذات الإنسانية والارتقاء بالفكر العربي وترسيخ مبدأ «الحكم والبقاء للأتقى والأصلح والأكثر علمًا».

يزيدٌ، بفعلته النكراء هذه، أشعل الشرارة الأولى التي مهدت لإعادة العرب إلى تخلفهم كما كانوا في الجاهلية.

والناظر المتمعّن في حال معظم دولنا العربية والإسلامية اليوم يدرك هذا الأمر جيدًا، إذ صار الحكم وأمست المناصب فيها للأشخاص والمسؤولين ذوي النفوذ والقوة والسلطة وليست لذوي الكفاءة والخبرة، والواسطة والمحسوبية متغلغتان بشكل كبير وفاسد جدًا.

 

لا خطوط حمراء .. المهم تثبيتُ الحكم مهما كان الثمن!

تخيّل معي عزيزي القارئ لو يصلنا خبرٌ أن أحدهم يهاجم الكعبة في أيامنا هذه. أنا متأكد من أن المسلمين -رغم سباتهم- سيشعلون ثورة كبيرة وسيقدمون الغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن بيت الله ضد أيً كان. فما بالك بمسلمي الماضي؟ الذين كانوا في أوج قوتهم وصحوتهم؟

في عام 64 للهجرة، امتنع عددٌ من الصحابة الكرام –رضي الله عنهم- عن مبايعة يزيد منهم عبد الله بن الزبير –رضي الله عنه-. فبعث يزيدٌ إلى والي المدينة بأخذ كل من رفض المبايعة، وأصر عبد الله على موقفه، وحتى يحمي نفسه من بطش يزيد، لجأ إلى أكثر الأماكن قداسة وحرمة عند المسلمين للاختباء، لكن يزيدًا وجيشه لم يأبهوا للأمر، واستخدموا معه القوة ونصبوا المنجنيق وضربوا الحرم وأصابوا الكعبة حتى هدم جزء من جدارها.

وكذلك، وبعد انتهاء معركة كربلاء، وبعد أن قتل من أهل البيت الكرام –رضي الله عنهم جميعًا- من قتل. ثار أهل المدينة على يزيد ورفضوا بقائه في الحكم، ونقضوا مبايعته. فما كان من يزيد إلا أن أرسل لهم جيشًا كبيرًا من الشام لقمعهم وإجبارهم على الرضوخ لأمره. فحدثت وقعة الحرة التي قتل فيها عشرات –وربما مئات، وبعض المصادر تقدر العدد بالآلاف- الصحابة الكرام والتابعين من الصالحين وحفظة القرآن وأصحاب العلم.

لم يتردد يزيد في استباحة المقدسات، وإراقة دماء الأبرياء والعلماء والصالحين وخيرة أهل البيت لتثبيت حكمه وإسكات كلمة الحق. واستنادًا إلى كل ما ذُكر، نستطيع أن نستنتج أن الحكومات العربية اليوم بريئةٌ من شرارة النجاسة والدنائة والقذارة الأخلاقية الأولى، فأفعالهم ليست إلا تكرارًا لما قام به السلف الطالح من أمثال يزيد.

 

السنة والشيعة

إن الأفعال التي يقوم بها الشيعة اليوم من تطبير ولطم وتسييل للدماء .. إلخ ليست من عقيدتهم، ولم تنشأ إلا كردة فعل على مقتل الحسين(1) الذي كان بسبب يزيد. وبالرغم من أن عددًا كبيرًا من كبار علماء الشيعة ينبذها، إلا أنها ما زالت أول ما يُرتسم في ذهن كثير من أهل السنة عند ذكر الشيعة. بل وربما أول ما يرتسم في ذهن بعض غير المسلمين عندما يسمعون كلمة «إسلام».

الانقسام السياسي بين السنة والشيعة موجود منذ وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم يكن هناك أي اختلاف عقائدي يُذكر. إنما مجرد جماعة عارضت تولي أبو بكر –رضي الله عنه- للحكم ورأت أن الأصلح تولي علي بن أبي طالب –كرّم الله وجهه- للحكم. ربما تكون الخلافات السياسية قد تعززت والعقائدية قد نشأت لاحقًا قبل يزيد. لكن المؤكد أن أفعال يزيد في معركة كربلاء خصوصًا وجريمته بحق أهل البيت عززت بشكل كبير وخطير جدًا الخلاف السياسي والعقائدي أيضًا بين الطائفتين. وما زلنا نعيش ذلك الأثر الخطير حتى يومنا هذا متمثلًا في الانقسام الكبير الحاصل بينهما.

 

بعد كل ذلك.. هل يجب علينا لعن يزيد؟

كنت قد قرأت عددًا من المقالات والكتب السنية حول الأمر كان آخرها للإمام ابن الجوزي بعنوان «الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد»، الذي يوضح فيه آراء علماء المسلمين حول الأمر، ويجيز لعنه مستغربًا من الطرح نفسه إذ يقول: «ما تقولون في رجل ولي أمر المسلمين ثلاث سنين .. في السنة الأولى قتل الحسين .. في السنة الثانية استباح مدينة رسول الله، في السنة الثالثة رمى الكعبة بالمنجنيق؟.. قالوا: نلعنه .. قال: «فالعنوه» ولعنه على المنبر.

لكن، وبسبب تضارب الروايات وتعددها حول يزيد وصلاحه وفساده وأفعاله ومواقفه في ذلك الوقت، يقول كثير من العلماء أن أمره إلى الله فقط. ولا يجيزون لعنه.

 

ختام

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والحديث متفقٌ عليه: «فوَاللهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عليكُمْ ولكنِّي أَخْشَى أن تُبْسَطَ الدُّنْيا عليكُمْ كما بُسِطَتْ على مَنْ كَانَ قبلَكُم فَتَنافَسُوها كَما تَنافَسُوها فتُهْلِكَكُمْ كما أهلَكَتْهُم». هذا بالضبط وصف دقيق جدًا لما حدث في عهد يزيد، ولحالنا اليوم حيث يتنافس الحثالة على تثبيت أنفسهم في الكراسي والنعيم الوهمي الزائل.

كلي ثقة من أن الأمور ستتحسن يومًا ما في دولنا الإسلامية والعربية، وأننا سنتحرر من محتلينا الحقيقيين الذين لن يجدوا مصفقًا أو مطبلًا واحدًا حينما يكبهم التاريخ جميعًا في المزابل.

اللهم العن كل الطغاة والظالمين

اللهم العن كل الفاسدين والمفسدين

اللهم العن أعوانهم وكل من يطبل ويصفق لهم

اللهم العن أعوانهم وكل من يطبل ويصفق لهم

اللهم العن أعوانهم وكل من يطبل ويصفق لهم

اللهم العن أعوانهم وكل من يطبل ويصفق لهم

 

نهاية.

اقرأ أيضًا:

- السنة والشيعة .. خطورة النعرات الطائفية.

- معاوية بن أبي سفيان .. المعمر والمدمر.

- الواقع العربي بعيون الإمام محمد الغزالي.