في مدوّنتي هذه أتحدث
قليلاً عن نظام التوجيهي القديم والأسباب التي تؤهله لأن يكون سيّئاً جدّاً في قياس قدرات الطالب قبل دخوله للجامعة مع مقارنته بالنظام الجديد المتوقّع
إقراره في العام القادم..
نظام التوجيهي القديم :
يعتمد على أدنى
المستويات في تصنيف بلوم :
تصنيف بلوم : هو تصنيف
لمستويات الأهداف الدّراسية التي يضعها المدرّسون لطّلابهم، وقد أوجده عالم علم
النفس التّربوي بجامعة شيكاغو عام 1956 بلوم، ويعدّ التصنيف المعتمد عالميّا
لتقييم الأنظمة الدراسية.
قسم العالم بلوم بتصنيفه الأهداف الدّراسية إلى ثلاثة نطاقات : الإدراكي، السلوكي والحركي النفسي.
أنوه
إلى أن تصنيف بلوم قد جرى تطويره وتعديله على مرّ السنين، والصورة التالية تبين
التغييرات التي حصلت عليه :
1- النّطاق
الإدراكي : النطاق
الإدراكي يتعلق بالمعرفة والفهم والتفكير والتفكّر بتعمق بموضوع ما، ويشمل هذا
النطاق ستة مستويات وهي بالترتيب من المستوى الأدنى إلى الأعلى :
* : فائدة لغوية : ما الفرق بين التفكير والتفكّر؟
- التفكير : هو عملية عقليّة لإنتاج الأفكار، حيث
يبذل العقل جهدا في ذلك.
-التفكّر : هو عملية
استخدام المنطق في التفكير بقضية معينة، والتفكر هو عملية فرعية من التفكير، وهي
بحاجة إلى جهد عقلي كبير أساسه المنطق.
أ- المعرفة (knowledge) : إظهار المقدرة على تذكر وإعادة سرد معلومات دُرست من قبل، وهذا يشمل استرجاع حقائق، ومفردات ومفاهيم وإجابات بسيطة، وتشمل المعرفة :
I- معرفة التفاصيل : معرفة تفاصيل المعلومات
مثل المصطلحات
II-معرفة
التعامل بالتفاصيل : إدراك لمفاهيم مثل ماهية المتعارف عليه، الاتجاهات،
والتتابعات والتصنيف والتبويب والمعايير والمنهجيات.
III-معرفة
الشموليات والتجريد في مجال محدد : معرفة مفاهيم مثل النظريات والعموميات
والمبادئ والتراكيب.
ب- الفهم (Comprehension) : اظهار فهم للحقائق والأفكار والقدرة على التنظيم والمقارنة والترجمة والتفسير والتوصيف والسرد والاستخلاص.
ج-التطبيق (Application) : حل مشاكل ومسائل جديدة بتطبيق المعرفة والحقائق
والتقنيات المكتسبة بطرق مختلفة لتُلائم الوضع الجديد.
د-التحليل (Analysis) : تمحيص المعلومات وتفكيكها إلى أجزائها
وتحديد الأسباب والدوافع، القيام باستنتاجات ودمغها بحقائق لدعم عمومياتها،
وتحديدا تحليل العناصر والعلاقات والمبادئ التنظيمية فيما بينها.
هـ- التركيب (Synthesis) : تجميع المعلومات بتركيب عناصرها بطرق
وتسلسلات مختلفة وطرح حلول بديلة، طرح طرق تواصل فريدة، طرح خطط وعمليات مختلفة،
استخلاص علاقات تجريدية.
و- التقييم (Evaluation) : طرح الأفكار والدفاع عنها، والاجتهاد بناء على
أدلة داخلية ومعايير خارجية.
2- نطاق السلوكيات: تشمل مهارات نطاق السلوكيات طريقة تعامل
الأفراد من الناحية العاطفية ومدى قدرتهم على إحساس سعادة وحزن الآخرين، والأهداف
التعليمية السلوكية تهدف إلى تنمية وإدراك مهارات في مجالات السلوك، العاطفة
والإحساس، وبحسب بلوم، هناك خمس مستويات متراكمة من الأدنى إلى الأعلى وهي :
أ- الاستقبال (Receiving) أدنى مستوى؛ الطالب ينتبه بدون تجاوب. وبدون هذه المهارة، لا يمكن حصول أي تعلم.
ب- التجاوب (Responding) مشاركة الطالب بتفاعل في عملية تعلمه.
ج- تقييم (Valuing) يربط الطالب قيمة للمعلومة أو الظاهرة أو الشيء
تحت الدراسة.
د- تنظيم (Organising) يجد الطالب ترابط بين قيم أو معلومات أو
أفكار مختلفة ويجعلهم متماثلين في معتقداته. وبالتالي، يستطيع أن يفسر عن هذا
الترابط بإتقان.
هـ-شخصنة (Characterizing) يعلق الطالب قيمة معينه أو معتقد شخصي الذي يؤثر
على تصرفاته وسلوكياته لتصبح جزء من شخصيته.
3- المهارات
الحركية النفسية : هي مهارات تتعلق بالقدرة علي التحكم البدني على الأدوات
والأجهزة مثل اليد أو المطرقة.
كما ترون أعزائي
القارئين، فإن نظام التوجيهي الحالي والذي سيصبح قريبا القديم يعتمد في أغلبيته
العظمى على أدني مستوى من مستويات هرم بلوم ألا وهو " المعرفة ( عملية تذكر
ما درس من قبل حسب النموذج القديم ) أو التذكر ( حسب النموذج الحديث )، ولا يركز
على المستويات العليا في تقييم قدرات الطالب " الابتكار، التقويم والتحليل
"، كما أنه لا يتيح للطالب شخصنة رأيه بل يعتمد أيضا في معظمه على مهارة
"الاستقبال فقط " ( وهي أدنى مهارة )، والمهارات الحركية المكتسبة عن
طريق ممارسة الأنشطة الحركية والبدنية معدومة، إن كل هذه الأسباب تؤهل نظام
التوجيهي الحالي لأن يكون نظاما سيئا جدّا في تقييم قدرات الطالب.
غير معترف به في
الجامعات العالميّة :
إن امتحان التوجيهي
الحالي لا يلقى اعترافا في أوائل الجامعات العالميّة فهو -كما أسلفت- سيّء جدّا في
تقييم قدرات الطالب كونه يعتمد على أدني المستويات في تصنيف بلوم، وكون تصنيف بلوم
هو التصنيف المعتمد عالميّاً في تقييم الأنظمة الدراسية، الجامعات التي تعترف بهذا
الامتحان هي الجامعات المحليّة وبعض الجامعات الإقليمية فقط.
إن الطريقة التي يتمّ بها إعلان النتائج في
امتحان الثانوية العامة الحالي سيئة جدا حيث أنها تفرض ضغوطاً هائلة على بعض
الطلاب فتتولد لديهم مشاعر الخوف والقلق من هذا اليوم مما يؤدي إلى التأثير على
أدائهم، إن هذا الضغط لا يُفرض على الطالب فحسب وإنما يفرض على عائلته أيضا مما
يزيد من مشاعر القلق والتوتر في أوساط العائلة أيضاً.
ما يلي اقتباس
رائع للكاتب عيسى قراقع عن التوجيهي :
" التوجيهي هو الخوف والرعب في الثقافة والتربية
الفلسطينية، التوتر والانتظار والاعتقاد انه يحدد ويقرر المصير ليس لحياة ومستقبل
الطالب بل ولأسرته ولعائلته التي تظل في حالة استنفار على مدار الامتحانات
خائفة أن يسقط الولد أو البنت وتعم الفضيحة.
نظام
الثانوية العامة النمطي والتقليدي الذي يساوي مستقبل الطلبة بالعلامات الجرداء،
ويقرر خطواتهم القادمة، هو نظام قديم لم يطرأ عليه أي تغيير أو دراسة أو تطوير منذ
زمن بعيد، يعتمد على التلقين والحفظ وتحيط به هالة من القلق والرهبة وكأن الطالب
مقبل على حرب ضروس عليه أن ينتصر بها بأي طريقة وإلا فإن الهزيمة ستكون ساحقة عليه
وعلى أحلامه الوليدة.
فاطمة
العروج الطالبة الذكية والناجحة عاشت هذه الأجواء في محيط قريتها، وسمعت ما يدور
في الحارات وبين العائلات ، وعليها أن تسهر الليل الطويل، وان تسجن نفسها في
غرفتها فوق الدفاتر والكتب، وأن تحشو رأسها بكل المقررات المطلوبة وتذهب إلى
الامتحان جاهزة مشحونة بالاستعداد والإرادة. قلبها المرتجف المتوجس لم يحتمل
هذا المحيط الرمادي وهذا الدخان المتصاعد من تحت المقاعد، وهذا التلصص من
المراقبين وبعيونهم الحادة وقدراتهم على اصطياد كل صغيرة وكبيرة تحت شعار:
الممنوع، الهدوء، الصمت، التشنج بالعضلات والأيدي والرقبة والعقل حتى ينتهي موعد
الامتحان
.
من هي
فاطمة العروج ؟
طالبة
توجيهي توفّيت إثر سكتة قلبيّة أثناء تأديتها لأحد امتحانات الثانويّة العامة عام
2014 في مدرستها، كانت طالبة مثابرة جدا - حسب ما روى والديها - وناجحة
ومتفوقة في كل مراحل دراستها، وقد عزي سبب توقف قلبها عن العمل إلى قلّة النوم
وقلّة الرّاحة، بعد وفاتها وجد والديها ورقة على مكتبها الذي كانت تدرس عليه كُتب
عليها :
في ذاك الصف الصامت
أسئلة ولون غامض
وجع في الصدر
وسطر أخير
يكتبه
قلب نابض .
. . .
سقطت
فاطمة، ربما لأن ذاكرة حفظ المعلومات قد تيبست، أو لأن السهر الطويل ووصايا الأهل
قد فاضت عن المحتمل والممكن، أو لأن الفرح القادم وتوزيع الهدايا وإطلاق الفقاعات
النارية في البيت والحارة هو المطلوب لاحقا، وعليه يبقى ذلك مرهونا بالنجاح حتى
تطلق فقاعات الفرح ولا تخزى العائلة أمام العائلات الأخرى ... "
علاقة مشوّهة :
إن العلاقة ما بين
" طالب التوجيهي " و " التوجيهي نفسه " علاقة مشوّهة عدائية
وتتناقض كثيرا مع قواعد النموّ التربوي السليمة التي يجب أن تقوم على الصداقة وحب
الطالب للنظام الدراسي والتخصص ومواده، إن هذه العلاقة المشوّهة العدائية تقضي على
إبداعات وابتكارات الطلبة مما ييعزز من كونه نظاما سيئا في تقييم الطالب.
نظام التوجيهي الجديد :
كما قال وزير التربية
والتعليم -صبري صيدم- فإن " نظام التوجيهي الجديد سيعتمد على قياس كفاءات
الطالب ومهاراته وقدراته الذاتية وليس قدرته على الحفظ والتذكر وتقديم الامتحانات "، وقال أيضا "أن النظام
الجديد يركز على إبراز شخصية الطلبة وتشجيعهم على الإبداع وتحفيز مهاراتهم الفردية
بعيدا عن النظام التقليدي القائم على الحفظ والضغط النفسي المرافق للطلبة
خلال تقديم الامتحانات "
إن هاتين العبارتين تؤكدان لنا أن نظام التوجيهي الجديد سيركّز أكثر على المستويات العليا في تصنيف بلوم في كل النطاقات، وسيكون هناك شخصنة لآراء الطالب وتركيز على المهارات العليا في النطاق السلوكي، إن ذلك يعني مقياسا أفضل في تقييم قدرات الطالب وقبولا جامعيّا إقليميا وعالميأ أوسع.
وقال صيدم عن النظام الحالي - الذي سيصبح القديم - " إن مشكلة التوجيهي الحالي هو أنه أضحى عامل رعب وفرز اجتماعي للعائلة، ففي حال الرسوب تشعر العائلة بالعار، الذي يصل إلى حد الإقدام على الانتحار " وهو ما أسلفته في السابق فالعلاقة بين طالب التوجيهي والتوجيهي علاقة سلبية عدائية تتناقض مع قواعد النمو التربوي مما يقضي على عنصر " الابداع والابتكار " لدى الطلبة وهو أعلى وأهم مستوى في هرم بلوم ( أكثر المستويات جودة في تقييم قدرات الطالب ).
النظام الجديد سيجمع ما
بين التقليد والحداثة : إن النظام الجديد للتوجيهي لن يلغي فكرة
الامتحانات التحريرية وإنما سيقلصها ويقلص من نقاطها لتكون عاملا من عدة عوامل
لتقييم الطالب وليس العامل الوحيد - كما في النظام القديم -.
ضغط أقل وطريقة إعلان نتائج تراعي الخصوصيّة : كثير منا يقف أمام شاشة التلفاز أثناء أعلان
نتائج التوجيهي وينتظر بتلهف سماع أحد الأسماء المعروفة لديه ليعرف كم نتيجته، في
نظام التوجيهي الحديث لن يحدث ذلك حيث ستكون خصوصية الطالب وعائلته أفضل فلن يتم
إعلان النتائج على التلفاز ولن يتم نشرها في الصحف وإنما سيذهب كل طالب إلى مدرسته
ويأخذ نتيجته بنفسه، إن هذا سيؤدي إلى تخفيف عاملي التوتر والضغط النفسي لدى
الطالب وعائلته والذي بدوره سيؤدي إلى نتاج أفضل للطالب.
ملفات الإنجاز :
ملف الإنجاز : هو ملف
يحوي أعمال ومشاريع وإنجازات الطالب لإعطاء فكرة عامّة عن مستوى أدائه وشخصيّته
ويبنى على نتائج مشاركاته في الصفّين الحادي عشر والثّاني عشر وليس فقط الثّاني
عشر.
سيتم تضمين تقدير ملفات
الإنجاز في شهادة الثانوية العامة في النظام الجديد والهدف منها هو قياس قدرات
الطالب في الإبداع وتنظيم الوقت وشخصنة رأيه وتنمية مهاراته في التفكير النّاقد
والإبداعي ( أنظر مقالة " التفكير البشريّ " لتتعرف الفرق بين التفكيرين )،
وتنمية مهارات التفكير والتحليل والابتكار ( لاحظ التركيز على المستويات العليا في
هرم بلوم ).
سيتم إرفاق تقدير ملف
الإنجاز لكل طالب في كشف الثانوية العامة الخاص به، وسيكون التقدير على شكل "
ممتاز، جيدجدا، جيد .. الخ " وليس علامة.
كما ترون أعزائي القارئين، كان النظام القديم يعتمد فقط على الدرجات المسجلة بالامتحان الوزاري، أما النظام الجديد فلن يعتمد على الامتحانات فقط، ما يعني تقييم أفضل بكثير.
المواد :
ستقسم المواد في نظام
التوجيهي الجديد إلى قسمين :
- القسم الأول : المواد الإجبارية وعددها 4 وستحسب
علاماتها جميعا في كشف الطالب.
- القسم الثاني : المواد الأساسيّة المتربطة
بالتخصص وعددها 4 وتختلف من تخصص إلى آخر، ولن تحسب علاماتها جميعها في كشف الطالب
وإنما سيتم احتساب أعلى علامتين فقط بشرط أن يتم النجاح فيها كلها.
آلية تقديم الامتحانات
التحريريّة :
سيتم تقديم الامتحانات
التحريرية على دورتين قبل 1/9 من كل عام بالإضافة إلى دورة ثالثة استكمالية في شهر
كانون الأول لمن لم يحالفه الحظ في أول دورتين.
-الدورة الأولى : تكون
في شهر حزيران ( شهر 6 ) ويستطيع الطالب أن يتقدم فيها لكل المواد ال 8.
-الدورة الثانية : تكون
في شهر آب ( شهر 8 ) ويستطيع الطالب أن يتقدم فيها لكل المواد ال 8 بدلا من
التقديم في الدورة الأولى.
* يستطيع الطالب أن يتقدم لأربع مواد - كحد أدنى -
في الدورة الأولى على أن يستكمل البقية في الدورة الثانية.
* يستطيع الطالب أن يعيد تقديم مبحث في الدورة
الثانية لتحسين علامته.
-الدورة الثالثة وهي
الدورة الاستكمالية وموعدها متأخر ( شهر 12 ) ويستطيع فيها الطالب أن يستكمل
تقديمه للمواد غير المكتملة، أو أن يعيد تقديم مبحث لتحسين علامته فيه.
لاحظ عزيزي القارىء
الخيارات المريحة المطروحة أمام الطالب في تقديمه للامتحانات التحريريّة، إن ذلك
سيؤدي إلى تخفيف كبير للضغط المفروض على الطالب بالتالي نتائج ونتاج أفضل.
إضافة فرعين جديدين :
سيتم إضافة فرعين
جديدين في نظام التوجيهي الجديد وهما الفرع التكنولوجي وفرع الإدارة والرّيادة.
وفي النّهاية فلا شكّ
أن نظام التوجيهي الجديد سيكون أفضل بكثير من خليفته القديم في تقييم قدرات الطالب
قبل دخوله للجامعة، وسيحظى بقبول جامعي أكبر وأوسع، شاهد الفيديو الرّسمي من وزارة
التربية والتعليم عن النظام الجديد هنا.
الجميل في مدونتك انك تركز على مواضيع ومعلومات رائعة.
ردحذفدام عطائك صديقي. استمر
رائع
ردحذف